للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَالشَّهَادَةُ فِي الْحُدُودِ يُخَيَّرُ فِيهَا الشَّاهِدُ بَيْنَ السَّتْرِ وَالْإِظْهَارِ) لِأَنَّهُ بَيْنَ حِسْبَتَيْنِ إقَامَةِ الْحَدِّ وَالتَّوَقِّي عَنْ الْهَتْكِ (وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ) لِقَوْلِهِ لِلَّذِي شَهِدَ عِنْدَهُ «لَوْ سَتَرْته بِثَوْبِك لَكَانَ خَيْرًا لَك» وَقَالَ «مَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» وَفِيمَا نُقِلَ مِنْ تَلْقِينِ الدَّرْءِ عَنْ النَّبِيِّ وَأَصْحَابِهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ السَّتْرِ

سَبَبًا. قُلْت: نِعْمَ؛ لِأَنَّهُ خِطَابُ وَضْعٍ يَدُلُّ عَلَى سَبَبِيَّةِ غَيْرِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾.

قَالَ (وَالشَّهَادَةُ فِي الْحُدُودِ يُخَيَّرُ فِيهَا الشَّاهِدُ بَيْنَ السَّتْرِ وَالْإِظْهَارِ إلَخْ) الشَّاهِدُ فِي الْحُدُودِ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَسْتُرَ وَأَنْ يُظْهِرَ؛ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَشْهَدَ حِسْبَةً لِلَّهِ فَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَبَيْنَ أَنْ يَتَوَقَّى عَنْ هَتْكِ الْمُسْلِمِ حِسْبَةً لِلَّهِ، وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ نَقْلًا وَعَقْلًا، أَمَّا الْأَوَّلُ «فَقَوْلُهُ: لِلَّذِي شَهِدَ عِنْدَهُ وَهُوَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ هُزَالٌ الْأَسْلَمِيُّ لَوْ سَتَرْته بِثَوْبِك وَفِي رِوَايَةٍ بِرِدَائِك لَكَانَ خَيْرًا لَك» وَقَوْلُهُ: «مَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» وَمَا رُوِيَ مِنْ تَلْقِينِ الدَّرْءِ عَنْ النَّبِيِّ وَأَصْحَابِهِ فَإِنَّ فِيهَا دَلَالَةً ظَاهِرَةً عَلَى أَفْضَلِيَّةِ السَّتْرِ. قِيلَ الْأَخْبَارُ مُعَارِضَةٌ لِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ وَإِعْمَالُهَا نَسْخٌ لِإِطْلَاقِهِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْآيَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْمُدَايَنَةِ لِنُزُولِهَا فِيهَا، وَرُدَّ بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ. وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ: الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ فِيمَا نُقِلَ عَنْ النَّبِيِّ وَأَصْحَابِهِ فِي السَّتْرِ وَالدَّرْءِ مُتَوَاتِرٌ فِي الْمَعْنَى فَجَازَتْ الزِّيَادَةُ بِهِ. وَقِيلَ إنَّ الْخَبَرَ الْأَوَّلَ وَرَدَ فِي مَاعِزٍ وَحِكَايَتُهُ مَشْهُورَةٌ يَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ شُهْرَةَ حِكَايَةِ مَاعِزٍ لَا تَسْتَلْزِمُ شُهْرَةَ الْخَبَرِ الْوَارِدِ فِيهَا بِالسَّتْرِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ السَّتْرَ وَالْكِتْمَانَ إنَّمَا يَحْرُمُ لِخَوْفِ فَوَاتِ حَقِّ الْمُحْتَاجِ إلَى الْأَمْوَالِ وَاَللَّهُ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>