(وَلَا مَنْ يَلْعَبُ بِالطُّيُورِ) لِأَنَّهُ يُورِثُ غَفْلَةً وَلِأَنَّهُ قَدْ يَقِفُ عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ بِصُعُودِهِ عَلَى سَطْحِهِ لِيُطَيِّرَ طَيْرَهُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَلَا مَنْ يَلْعَبُ بِالطُّنْبُورِ وَهُوَ الْمُغَنِّي (وَلَا مَنْ يُغْنِي لِلنَّاسِ) لِأَنَّهُ يَجْمَعُ النَّاسَ عَلَى ارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ.
وَالْمُرَادُ بِهِ كُلُّ مَنْ أَدْمَنَ عَلَى شُرْبِ شَيْءٍ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ خَمْرًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا مِثْلَ السُّكَّرِ وَنَقِيعِ الزَّبِيبِ وَالْمُنَصَّفِ. وَشَرَطَ الْإِدْمَانَ لِيَظْهَرَ ذَلِكَ عِنْدَ النَّاسِ، فَإِنَّ الْمُتَّهَمَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ فِي بَيْتِهِ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ وَإِنْ كَانَ كَبِيرَةً (وَلَا مَنْ يَلْعَبُ بِالطُّيُورِ؛ لِأَنَّهُ يُورِثُ غَفْلَةً لَا يُؤْمَنُ بِهَا عَلَى الْإِقْدَامِ عَلَى الشَّهَادَةِ مَعَ نِسْيَانِ بَعْضِ الْحَادِثَةِ) ثُمَّ هُوَ مُصِرٌّ عَلَى نَوْعِ لَعِبٍ (وَلِأَنَّهُ قَدْ يَقِفُ عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ بِصُعُودِهِ عَلَى سَطْحِهِ لِتَطْيِيرِ طَيْرِهِ) وَذَلِكَ فِسْقٌ. فَأَمَّا إذَا كَانَ يَسْتَأْنِسُ بِالْحَمَامِ فِي بَيْتِهِ فَهُوَ عَدْلٌ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ، إلَّا إذَا خَرَجَتْ مِنْ الْبَيْتِ فَإِنَّهَا تَأْتِي بِحَمَامَاتِ غَيْرِهِ فَتُفَرِّخُ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ يَبِيعُهُ وَلَا يَعْرِفُهُ مِنْ حَمَامِ نَفْسِهِ فَيَكُونُ آكِلًا لِلْحَرَامِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَلَا مَنْ يَلْعَبُ بِالطُّنْبُورِ وَهُوَ الْمُغَنِّي فَهُوَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَلَا مَنْ يُغَنِّي لِلنَّاسِ فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ آلَةُ لَهْوٍ أَوْ لَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ عَنْ ذِكْرِهِ بِمَا ذَكَرَ مِنْ الْمُغَنِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِكَوْنِهِ لِلنَّاسِ حَتَّى لَوْ كَانَ غِنَاؤُهُ لِنَفْسِهِ لِإِزَالَةِ وَحْشَتِهِ لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَعَلَّلَ بِأَنَّهُ يَجْمَعُ النَّاسَ عَلَى ارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ. وَأَصْلُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَخِيهِ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ وَهُوَ يَتَغَنَّى وَكَانَ مِنْ زُهَّادِ الصَّحَابَةِ ﵃.
وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ كَرِهَ جَمِيعَ ذَلِكَ، وَبِهِ أَخَذَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ، وَحَمَلَ حَدِيثَ الْبَرَاءِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُنْشِدُ الْأَشْعَارَ الْمُبَاحَةَ الَّتِي فِيهَا الْوَعْظُ وَالْحِكْمَةُ وَاسْمُ الْغِنَاءِ قَدْ يَنْطَلِقُ عَلَى ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute