للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْفِسْقُ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ غَيْرُ مَانِعٍ لِأَنَّهُ يَجْتَنِبُ مَا يَعْتَقِدُهُ مُحَرَّمَ دِينِهِ، وَالْكَذِبُ مَحْظُورُ الْأَدْيَانِ، بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ، وَبِخِلَافِ شَهَادَةِ الذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ يَتَقَوَّلُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَغِيظُهُ قَهْرُهُ إيَّاهُ، وَمِلَلُ الْكُفْرِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ فَلَا قَهْرَ فَلَا يَحْمِلُهُمْ الْغَيْظُ عَلَى التَّقَوُّلِ.

﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا﴾ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ ﴿مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾ وَالْكَافِرُ لَيْسَ بِمَرْضِيٍّ.

وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَرْضِيٍّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّهَادَةِ عَلَيْنَا أَوْ مُطْلَقًا. وَالْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ وَلَيْسَتْ بِمَقْبُولَةٍ. وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ إذْ لَيْسَ مَا يَمْنَعُ رِضَانَا يَمْنَعُ شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ (قَوْلُهُ: وَالْفِسْقُ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ غَيْرُ مَانِعٍ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ. وَتَقْرِيرُهُ: الْفِسْقُ مَانِعٌ مِنْ حَيْثُ تَعَاطِي مُحَرَّمِ الدِّينِ أَوْ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ. وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ وَالْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ، لَكِنْ فِسْقُ الْكُفْرِ لَيْسَ مِنْ بَابِهِ فَإِنَّ الْكَافِرَ يَجْتَنِبُ مُحَرَّمَ دِينِهِ.

وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الِاجْتِنَابَ عَنْ مَحْظُورِ الدِّين يُعْتَبَرُ دَلِيلًا عَلَى الِاجْتِنَابِ عَنْ الْكَذِبِ الَّذِي هُوَ مِنْ بَابِ شَهَادَةِ الزُّورِ، وَهُمْ ارْتَكَبُوا الْكَذِبَ بِإِنْكَارِ الْآيَاتِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِحَقِيقَتِهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْإِخْبَارُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ الْمُتَوَاطِئُونَ عَلَى كِتْمَانِ بَعْثِهِ وَنُبُوَّتِهِ وَلَا شَهَادَةَ لَهُمْ عِنْدَنَا وَمِنْ بَعْدِهِمْ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ مَا هُمْ عَلَيْهِ فَالتَّكْذِيبُ مِنْهُمْ تَدَيُّنٌ وَمُطْبَقُونَ عَلَى كَوْنِ الْكَذِبِ عَلَى أَحَدِ مَحْظُورٍ إذْ هُوَ مَحْظُورُ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا.

وَقَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ فَصَارَ كَالْمُرْتَدِّ فَإِنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ لَا عَلَى نَفْسِهِ وَلَا عَلَى أَوْلَادِهِ وَهِيَ رُكْنُ الدَّلِيلِ. وَقَوْلُهُ (وَبِخِلَافِ شَهَادَةِ الذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَعَمَّا يُقَالُ لَوْ اسْتَلْزَمَتْ الْوِلَايَةُ أَهْلِيَّةَ الشَّهَادَةِ لَقُبِلَتْ شَهَادَةُ الذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ لِوُجُودِهَا كَمَا ذَكَرْتُمْ.

وَوَجْهُهُ أَنَّ وِلَايَتَهُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمُسْلِمِ مَعْدُومَةٌ، وَهُوَ كَمَا تَرَى مُنِعَ لِوُجُودِ الْمَلْزُومِ، وَقَدْ مَرَّ لَنَا جَوَابٌ آخَرُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ؛ وَلِأَنَّهُ يَتَقَوَّلُ عَلَيْهِ جَوَابٌ آخَرُ. وَتَقْرِيرُهُ: سَلَّمْنَا أَنَّ عِلَّةَ قَبُولِ شَهَادَتِهِ وَهُوَ الْوِلَايَةُ مُتَحَقِّقَةٌ لَكِنْ الْمَانِعُ مُتَحَقِّقٌ وَهُوَ تَغَيُّظُهُ بِقَهْرِ الْمُسْلِمِ إيَّاهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُهُ عَلَى التَّقَوُّلِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مِلَلِ الْكُفْرِ فَإِنَّهَا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ فَلَا قَهْرَ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَحْمِلُهُمْ الْغَيْظُ عَلَى التَّقَوُّلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>