للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ (وَلَا يَسْمَعُ الْقَاضِي الشَّهَادَةَ عَلَى جَرْحٍ وَلَا يَحْكُمُ بِذَلِكَ) لِأَنَّ الْفِسْقَ مِمَّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ لِأَنَّ لَهُ الدَّفْعَ بِالتَّوْبَةِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِلْزَامُ، وَلِأَنَّهُ هَتْكُ السِّرِّ وَالسَّتْرُ وَاجِبٌ وَالْإِشَاعَةُ حَرَامٌ، وَإِنَّمَا يُرَخَّصُ ضَرُورَةَ إحْيَاءِ الْحُقُوقِ

أَوْ ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ نَصْبَ الْوَكِيلِ عَنْ الْغَائِبِ، فَلَوْ ثَبَتَ كَانَتْ مُوجِبَةً وَالتُّهْمَةُ تَرُدُّ ذَلِكَ.

قَالَ (وَلَا يَسْمَعُ الْقَاضِي الشَّهَادَةَ عَلَى جَرْحٍ إلَخْ) الْجَرْحُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُجَرَّدًا أَوْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ حُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ لَا. وَالثَّانِي هُوَ الْمُفْرَدُ لِتَجَرُّدِهِ عَمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الثَّانِي وَلَك أَنْ تُسَمِّيَهُ مُرَكَّبًا، فَإِذَا شَهِدَ شُهُودُ الْمُدَّعِي عَلَى الْغَرِيمِ بِشَيْءٍ وَأَقَامَ الْغَرِيمُ بَيِّنَةً عَلَى الْجَرْحِ الْمُفْرَدِ مِثْلَ إنْ قَالُوا هُمْ فَسَقَةٌ أَوْ زُنَاةٌ أَوْ آكِلُو رِبًا فَالْقَاضِي لَا يَسْمَعُهَا. وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْفِسْقَ مِمَّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ لِتَمَكُّنِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ مِنْ رَفْعِهِ بِالتَّوْبَةِ وَرَفْعِ الْإِلْزَامِ، وَسَمَاعُهَا إنَّمَا هُوَ لِلْحُكْمِ وَالْإِلْزَامِ. وَالثَّانِي قِيلَ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ أَنَّ فِي الْجَرْحِ الْمُفْرَدِ هَتْكَ السِّرِّ وَهُوَ إظْهَارُ الْفَاحِشَةِ وَهُوَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ فَكَانَ الشَّاهِدُ فَاسِقًا بِهَتْكِ وَاجِبِ السَّتْرِ وَتَعَاطِي إظْهَارِ الْحَرَامِ فَلَا يَسْمَعُهَا الْحَاكِمُ.

فَإِنْ قِيلَ: مَا بَالُهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا مُعَدِّلِينَ فِي الْعَلَانِيَةِ فَيُسْمَعُ مِنْهُمْ الْجَرْحُ الْمُفْرَدُ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ مَنْ شَرَطَ ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا أَنْ يَقُولَ لَا أَعْلَمُ مِنْ حَالِهِ أَوْ يُعْلِمَ الْقَاضِيَ بِذَلِكَ سِرًّا إذَا سَأَلَهُ الْقَاضِي تَفَادِيًا عَنْ التَّعَادِي وَاحْتِرَازًا عَنْ إظْهَارِ الْفَاحِشَةِ، وَلَيْسَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَالَ وَلَا يَحْكُمُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَدَمُ السَّمَاعِ يُفِيدُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>