وَإِنْ خَالَفَتْهَا لَمْ تُقْبَلْ) لِأَنَّ تَقَدُّمَ الدَّعْوَى فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ شَرْطُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَقَدْ وُجِدَتْ فِيمَا يُوَافِقُهَا وَانْعَدَمَتْ فِيمَا يُخَالِفُهَا.
الشَّهَادَةُ مُوَافِقَةً لِلدَّعْوَى.
وَأَمَّا الْمُوَافَقَةُ بَيْنَ لَفْظَيْهِمَا فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ يَقُولُ ادَّعَى عَلَيَّ غَرِيمِي هَذَا وَالشَّاهِدُ يَقُولُ أَشْهَدُ بِذَلِكَ، وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ تَقَدُّمَ الدَّعْوَى فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ شَرْطُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَقَدْ وُجِدَتْ فِي مَا يُوَافِقُهَا وَانْعَدَمَتْ فِيمَا يُخَالِفُهَا) أَمَّا أَنَّ تَقَدُّمَهَا فِيهَا شَرْطٌ لِقَبُولِهَا فَلِأَنَّ الْقَاضِيَ نُصِّبَ لِفَصْلِ الْخُصُومَاتِ فَلَا بُدَّ مِنْهَا، وَلَا نَعْنِي بِالْخُصُومَةِ إلَّا الدَّعْوَى، وَأَمَّا وُجُودُهَا عِنْدَ الْمُوَافَقَةِ فَلِعَدَمِ مَا يَهْدُرُهَا مِنْ التَّكْذِيبِ.
وَأَمَّا عَدَمُهَا عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ فَلِوُجُودِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لِتَصْدِيقِ الدَّعْوَى، فَإِذَا خَالَفَتْهَا فَقَدْ كَذَّبَتْهَا فَصَارَ وُجُودُهَا وَعَدَمُهَا سَوَاءً. وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ: تَقَدُّمُ الدَّعْوَى شَرْطُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَقَدْ وُجِدَتْ فِيمَا يُوَافِقُهَا وَهُوَ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنَّ وُجُودَ الشَّرْطِ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْمَشْرُوطِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ تَعَارَضَ كَلَامُ الْمُدَّعِي وَالشَّاهِدِ فَمَا الْمُرَجِّحُ لِصِدْقِ الشَّاهِدِ حَتَّى اُعْتُبِرَ دُونَ كَلَامِ الْمُدَّعِي؟ الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ عِلَّةَ قَبُولِ الشَّهَادَةِ الْتِزَامُ الْحَاكِمِ سَمَاعَهَا عِنْدَ صِحَّتِهَا وَتَقَدُّمُ الدَّعْوَى شَرْطُ ذَلِكَ، فَإِذَا وُجِدَ فَقَدْ انْتَفَى الْمَانِعُ فَوَجَبَ الْقَبُولُ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ، لَا أَنَّ وُجُودَ الشَّرْطِ اسْتَلْزَمَ وُجُودَهُ.
وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الشُّهُودِ الْعَدَالَةُ لَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ عَدَالَةُ الْمُدَّعِي لِصِحَّةِ دَعْوَاهُ فَرَجَّحْنَا جَانِبَ الشُّهُودِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute