للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِمَا قُلْنَا، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً مِنْ حَيْثُ الْقَضَاءِ بِشَهَادَتِهِ لَكِنَّ الْعَدْلَ لَا يُتَّهَمُ بِمِثْلِهِ كَمَا لَا يُتَّهَمُ فِي شَهَادَةِ نَفْسِهِ، كَيْفَ وَأَنَّ قَوْلَهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَإِنْ رُدَّتْ شَهَادَةُ صَاحِبِهِ فَلَا تُهْمَةَ. قَالَ (وَإِنْ سَكَتُوا عَنْ تَعْدِيلِهِمْ جَازُوا نَظَرَ الْقَاضِي فِي حَالِهِمْ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ . وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ إلَّا بِالْعَدَالَةِ، فَإِذَا لَمْ يَعْرِفُوهَا لَمْ يَنْقُلُوا الشَّهَادَةَ فَلَا يُقْبَلُ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَأْخُوذَ عَلَيْهِمْ النَّقْلُ دُونَ التَّعْدِيلِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِمْ، وَإِذَا نَقَلُوا يَتَعَرَّفُ الْقَاضِي الْعَدَالَةَ كَمَا إذَا حَضَرُوا بِأَنْفُسِهِمْ وَشَهِدُوا

لِمَا قُلْنَا) إنَّهُ مِنْ أَهْلِ التَّزْكِيَةِ، وَقَوْلُهُ: (غَايَةُ الْأَمْرِ) رَدٌّ لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ مِنْ الْمَشَايِخِ لَا يَصِحُّ تَعْدِيلُهُ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ تَنْفِيذَ شَهَادَةِ نَفْسِهِ بِهَذَا التَّعْدِيلِ فَكَانَ مُتَّهَمًا، فَأَشَارَ إلَى رَدِّهِ بِقَوْلِهِ غَايَةُ الْأَمْرِ: أَيْ غَايَةُ مَا يَرِدُ فِيهِ مِنْ أَمْرِ الشُّبْهَةِ أَنْ يُقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ تَعْدِيلُهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِسَبَبِ (أَنَّ فِي تَعْدِيلِهِ مَنْفَعَةً) لَهُ مِنْ حَيْثُ تَنْفِيذُ الْقَاضِي قَوْلَهُ عَلَى مَا شَهِدَ بِهِ (لَكِنَّ الْعَدْلَ لَا يُتَّهَمُ بِمِثْلِهِ كَمَا لَا يُتَّهَمُ فِي شَهَادَةِ نَفْسِهِ) فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا شَهِدَ فِيمَا شَهِدَ لِيَصِيرَ مَقْبُولَ الْقَوْلِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ عِنْدَ تَنْفِيذِ الْقَاضِي قَوْلَهُ عَلَى مُوجِبِ مَا شَهِدَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَهَادَةٌ فِيهِ فِي الْوَاقِعِ (كَيْفَ) يَكُونُ ذَلِكَ مَانِعًا وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ نَفْعٌ يَفُوتُ بِتَرْكِ التَّعْدِيلِ (لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي نَفْسِهِ مَقْبُولٌ وَإِنْ رُدَّتْ شَهَادَةُ صَاحِبِهِ) حَتَّى إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ الْعُدُولِ حَكَمَ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا (فَلَا تُهْمَةَ، وَإِنْ سَكَتُوا عَنْ تَعْدِيلِهِمْ) وَقَالُوا لَا نُخْبِرُك (جَازَتْ) شَهَادَتُهُمْ (وَ) لَكِنْ (يَنْظُرُ الْقَاضِي فِي حَالِ الْأُصُولِ) بِأَنْ يَسْأَلَ مِنْ الْمُزَكِّينَ غَيْرِ الْفُرُوعِ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تُقْبَلُ)

شَهَادَةُ الْفُرُوعِ (لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ إلَّا بِالْعَدَالَةِ، فَإِذَا لَمْ يَعْرِفُوهَا لَمْ يَنْقُلُوا الشَّهَادَةَ فَلَا تُقْبَلُ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَأْخُوذَ عَلَيْهِمْ نَقْلُ الشَّهَادَةِ دُونَ تَعْدِيلِ الْأُصُولِ؛ لِأَنَّ التَّعْدِيلَ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِمْ فَإِذَا نَقَلُوا) فَقَدْ أَقَامُوا مَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ. ثُمَّ الْقَاضِي (يَتَعَرَّفُ الْعَدَالَةَ كَمَا إذَا حَضَرَ الْأُصُولُ بِأَنْفُسِهِمْ فَشَهِدُوا) وَإِذَا قَالُوا لَا نَعْرِفُ أَنَّ الْأُصُولَ عُدُولٌ أَوْ لَا؟ قِيلَ: ذَلِكَ وَقَوْلُهُمْ لَا نُخْبِرُك سَوَاءٌ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: فَإِذَا لَمْ يَعْرِفُوهَا.

وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: لَا يَرُدُّ الْقَاضِي شَهَادَةَ الْفُرُوعِ وَيَسْأَلُ عَنْ الْأُصُولِ غَيْرَهُمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ شَاهِدَ الْأَصْلِ بَقِيَ مَسْتُورًا

<<  <  ج: ص:  >  >>