لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِلشَّهَادَةِ فَيَخْتَصُّ بِمَا تَخْتَصُّ بِهِ الشَّهَادَةُ مِنْ الْمَجْلِسِ وَهُوَ مَجْلِسُ الْقَاضِي أَيَّ قَاضٍ كَانَ، وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ تَوْبَةٌ وَالتَّوْبَةُ عَلَى حَسَبِ الْجِنَايَةِ، فَالسِّرُّ بِالسِّرِّ وَالْإِعْلَانُ بِالْإِعْلَانِ.
وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الرُّجُوعُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي، فَلَوْ ادَّعَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ رُجُوعَهُمَا وَأَرَادَ يَمِينَهُمَا لَا يَحْلِفَانِ، وَكَذَا لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ ادَّعَى رُجُوعًا بَاطِلًا، حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ رَجَعَ عِنْدَ قَاضِي كَذَا وَضَمَّنَهُ الْمَالَ تُقْبَلُ لِأَنَّ السَّبَبَ صَحِيحٌ.
؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِلشَّهَادَةِ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ فَالرُّجُوعُ مُخْتَصٌّ بِهِ، وَهَذَا الدَّلِيلُ لَا يَتِمُّ إلَّا إذَا ثَبَتَ أَنَّ فَسْخَ الشَّهَادَةِ يَخْتَصُّ بِمَا تَخْتَصُّ بِهِ الشَّهَادَةُ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الرُّجُوعَ إقْرَارٌ بِضَمَانِ مَالِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ عَلَى نَفْسِهِ بِسَبَبِ الْإِتْلَافِ بِالشَّهَادَةِ الْكَاذِبَةِ، وَالْإِقْرَارُ بِذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَا يَرْتَفِعُ مَا دَامَتْ الْحُجَّةُ بَاقِيَةً فَلَا بُدَّ مِنْ رَفْعِهَا، وَالرُّجُوعُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ لَيْسَ بِرَفْعٍ لِلْحُجَّةِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ كَمَا مَرَّ، وَالْإِقْرَارُ بِالضَّمَانِ مُرَتَّبٌ عَلَى ارْتِفَاعِهَا أَوْ يَثْبُتُ فِي ضِمْنِهِ فَكَانَ مِنْ تَوَابِعِهِ. لَا يُقَالُ: الْبَيِّنَةُ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ ابْتِدَاءً لَا بَقَاءً، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ الْبَقَاءُ مَشْرُوطًا بِشَرْطِ الِابْتِدَاءِ لِكَوْنِهِ أَسْهَلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: مَجْلِسُ الْحُكْمِ مَحَلُّهَا فِي الِابْتِدَاءِ وَمَا يَرْجِعُ إلَى الْمَحَلِّ فَالِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ فِيهِ سَوَاءٌ كَالْمَحْرَمِيَّةِ فِي النِّكَاحِ وَوُجُودِ الْمَبِيعِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ وَصِحَّةِ الْفَسْخِ (وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ تَوْبَةٌ وَالتَّوْبَةُ عَلَى حَسَبِ الْجِنَايَةِ فَالسِّرُّ بِالسِّرِّ، وَالْإِعْلَانُ بِالْإِعْلَانِ) وَشَهَادَةُ الزُّورِ جِنَايَةٌ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَالتَّوْبَةُ عَنْهَا تَتَقَيَّدُ بِهِ (وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الرُّجُوعُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي فَلَوْ ادَّعَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ رُجُوعَهُمَا) وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً أَوْ عَجَزَ عَنْهَا وَأَرَادَ أَنْ يُحَلِّفَ الشَّاهِدَيْنِ (لَمْ يَقْبَلْ الْقَاضِي بَيِّنَةً عَلَيْهِمَا وَلَا يُحَلِّفُهُمَا)؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ وَالْيَمِينَ يَتَرَتَّبَانِ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ، وَدَعْوَى الرُّجُوعِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ بَاطِلَةٌ (حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ رَجَعَ عِنْدَ قَاضِي كَذَا وَضَمَّنَهُ الْمَالَ تُقْبَلُ) بَيِّنَتُهُ (لِأَنَّ السَّبَبَ صَحِيحٌ) وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَكِنُّ فِي ضَمَّنَهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْقَاضِي، وَمَعْنَاهُ حَكَمَ عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ لَكِنَّهُ لَمْ يُعْطِ شَيْئًا إلَى الْآنَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُدَّعِي وَمَعْنَاهُ طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي تَضْمِينَهُ، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ بَدَلٌ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَهُوَ قَبُولُ الْبَيِّنَةِ: أَيْ؛ لِأَنَّ سَبَبَ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ صَحِيحٌ وَهُوَ دَعْوَى الرُّجُوعِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ، وَقِيلَ هُوَ الضَّمَانُ، وَمَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ صَحِيحٌ وَهُوَ الرُّجُوعُ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى حِينَئِذٍ لَيْسَتْ مُطَابِقَةً لِلدَّلِيلِ فَإِنَّهَا قَبُولُ الْبَيِّنَةِ لَا وُجُوبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute