لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَالِكًا لِيُمَلِّكَهُ مَنْ غَيْرَهُ.
وَهُوَ الْمُرَادُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فَإِنَّ الْأَنْسَبَ بِكَلِمَةِ مِنْ جِنْسُ التَّصَرُّفِ (قَوْلُهُ: وَتَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ) يَحْتَمِلُ أَحْكَامَ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ وَجِنْسَ الْأَحْكَامِ، فَالْأَوَّلُ احْتِرَازٌ عَنْ الْوَكِيلِ إذَا وَكَّلَ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ ذَلِكَ التَّصَرُّفَ دُونَ التَّوْكِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَلْزَمْهُ الْأَحْكَامُ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي الْكَلَامِ شَرْطَانِ. وَالثَّانِي احْتِرَازٌ عَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَيَكُونُ مِلْكُ التَّصَرُّفِ وَلُزُومُ الْأَحْكَامِ شَرْطًا وَاحِدًا، وَهَذَا أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ إذَا أَذِنَ لَهُ بِالتَّوْكِيلِ صَحَّ وَالْأَحْكَامُ لَا تَلْزَمُهُ. فَإِنْ قُلْت: إذَا جَعَلْتهمَا شَرْطًا وَاحِدًا لَزِمَك الْوَكِيلُ فَإِنَّهُ مِمَّنْ يَمْلِكُ جِنْسَ التَّصَرُّفِ وَيَلْزَمُهُ جِنْسُ الْأَحْكَامِ وَلَا يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ. قُلْت: غَلَطٌ، فَإِنَّ وُجُودَ الشَّرْطِ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْمَشْرُوطِ لَا سِيَّمَا مَعَ وُجُودِ الْمَانِعِ وَهُوَ فَوَاتُ رَأْيِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوَكِيلَ) دَلِيلُ اشْتِرَاطِ مَا شُرِطَتْ بِهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ لِكَوْنِهِ نَائِبًا عَنْهُ فَيَكُونُ التَّوْكِيلُ تَمْلِيكَ التَّصَرُّفِ وَتَمْلِيكُ التَّصَرُّفِ مِمَّنْ لَا يَمْلِكُهُ مُحَالٌ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْوَكِيلُ يَمْلِكُ جِنْسَ التَّصَرُّفِ مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ أَوْ التَّصَرُّفَ الَّذِي وُكِّلَ فِيهِ، وَالثَّانِي مُسْلَمٌ وَيُنْتَقَضُ بِتَوْكِيلِ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ بِبَيْعِ الْخَمْرِ، وَالْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ بِأَهْلِيَّتِهِ وَلِهَذَا لَوْ تَصَرَّفَ لِنَفْسِهِ صَحَّ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْوَكِيلَ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَكِيلٌ يَمْلِكُ جِنْسَ التَّصَرُّفِ مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لَهُ خِلَافَةٌ عَنْ الْوَكِيلِ فِيمَا تَصَرَّفَ فِيهِ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ وَتَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ وَلَا الْكَلَامُ فِيهِ. وَلَا يُنَافِيهِ أَيْضًا لِجَوَازِ ثُبُوتِ شَيْءٍ بِأَمْرَيْنِ عَلَى الْبَدَلِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْوَكَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَنْ يَمْلِكُ جِنْسَ التَّصَرُّفِ وَيَمْلِكُهُ الْوَكِيلُ بِحَيْثُ يَلْزَمُهُ أَحْكَامُ مَا بَاشَرَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute