فَيَتَحَالَفَانِ؛ كَمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ بَعْدَ هَلَاكِ السِّلْعَةِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ التَّحَالُفَ بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ سَلَّمَ لِلْمُشْتَرِي مَا يَدَّعِيهِ وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ فِي حَالِ قِيَامِ السِّلْعَةِ،
اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ بَعْدَ هَلَاكِ السِّلْعَةِ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا الْعَقْدَ بِالدَّرَاهِمِ وَالْآخَرُ بِالدَّنَانِيرِ تَحَالَفَا وَلَزِمَ الْمُشْتَرِيَ رَدُّ الْقِيمَةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الدَّلِيلَ النَّقْلِيَّ وَالْعَقْلِيَّ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا، فَإِلْحَاقُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ جَمْعٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: حَكَمَ الشَّرْعُ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ فَسَادُ الْوَضْعِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ ﷺ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» يُوجِبُ الْيَمِينَ عَلَى الْمُشْتَرِي خَاصَّةً لِأَنَّ الْمُنْكِرَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ ﷺ «وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ» وَلَا مَعْنَى لِمَا قِيلَ إنَّهُ مَذْكُورٌ عَلَى سَبِيلِ التَّنْبِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْنًى مَقْصُودٍ بَلْ هُوَ كَالتَّأْكِيدِ، وَالتَّأْسِيسُ أَوْلَى عَلَى أَنَّهُ إمَّا مَعْطُوفٌ عَلَى الشَّرْطِ أَوْ حَالٌ فَيَكُونُ مَذْكُورًا عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ التَّحَالُفَ بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لَمَّا سَلَّمَ لِلْمُشْتَرِي مَا يَدَّعِيهِ، وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ حَالَ قِيَامِ السِّلْعَةِ لِمَا ذَكَرْنَا فَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَلْيَكُنْ مُلْحَقًا بِالدَّلَالَةِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ وَالتَّحَالُفُ فِيهِ: أَيْ فِي حَالِ الْقِيَامِ يُفْضِي إلَى الْفَسْخِ فَيَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرَرُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِرَدِّ رَأْسِ مَالِهِ بِعَيْنِهِ إلَيْهِ، وَلَا كَذَلِكَ بَعْدَ هَلَاكِهَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ بِالْإِقَالَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَكَذَا بِالتَّحَالُفِ فَلَيْسَ فِي مَعْنَاهُ فَبَطَلَ الْإِلْحَاقُ بِالدَّلَالَةِ أَيْضًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute