وَكَذَا إذَا قَالَ: آجَرَنِيهِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ أَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِيَدِ خُصُومَةٍ. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ إثْبَاتُ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ لِعَدَمِ الْخَصْمِ عَنْهُ وَدَفْعِ الْخُصُومَةِ بِنَاءً عَلَيْهِ. قُلْنَا: مُقْتَضَى الْبَيِّنَةِ شَيْئَانِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ وَلَا خَصْمَ فِيهِ فَلَمْ يَثْبُتْ، وَدَفْعُ خُصُومَةِ الْمُدَّعِي وَهُوَ خَصْمٌ فِيهِ فَيَثْبُتُ وَهُوَ كَالْوَكِيلِ بِنَقْلِ الْمَرْأَةِ وَإِقَامَتِهَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الطَّلَاقِ
أَوْ آجَرَنِيهِ أَوْ أَعَارَنِيهِ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعِي.
وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: لَا تَنْدَفِعُ وَإِنْ أَقَامَهَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: تَنْدَفِعُ بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ كَانَ الرَّجُلُ صَالِحًا فَالْجَوَابُ كَمَا قُلْنَا مِنْ دَفْعِ الْخُصُومَةِ وَإِنْ كَانَ مُحْتَالًا فَكَمَا قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: ثُمَّ إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ فَإِمَّا أَنْ يَقُولُوا أَوْدَعَهُ فُلَانٌ يَعْرِفُونَهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ، أَوْ رَجُلٌ مَجْهُولٌ لَا نَعْرِفُهُ، أَوْ رَجُلٌ نَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ وَلَا نَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ، فَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، وَفِي الثَّانِي لَا تُقْبَلُ بِالِاتِّفَاقِ، وَالثَّالِثُ كَالثَّانِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَكَالْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهَذِهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ فَلِهَذَا لُقِّبَتْ الْمَسْأَلَةُ بِمُخَمِّسَةِ كِتَابِ الدَّعْوَى، وَقِيلَ لُقِّبَتْ بِذَلِكَ لِلْوُجُوهِ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا. وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَثْبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ يَدَ خُصُومَةٍ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ لَيْسَ بِخَصْمٍ.
وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ شُبْرُمَةَ أَنَّهُ أَثْبَتَ بِبَيِّنَةِ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ، وَإِثْبَاتُ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ بِدُونِ خَصْمٍ مُتَعَذِّرٌ إذْ لَيْسَ لِأَحَدٍ وِلَايَةُ إدْخَالِ شَيْءٍ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَدَفْعُ الْخُصُومَةِ بِنَاءً عَلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ وَالْبِنَاءُ عَلَى الْمُتَعَذِّرِ مُتَعَذِّرٌ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ مُقْتَضَى هَذِهِ الْبَيِّنَةِ شَيْئَانِ: ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ وَلَا خَصْمَ فِيهِ فَلَا يَثْبُتُ، وَدَفْعُ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَهُوَ خَصْمٌ فِيهِ؛ وَبِنَاءُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ مَمْنُوعٌ لِانْفِكَاكِهِ عَنْهُ كَالْوَكِيلِ بِنَقْلِ الْمَرْأَةِ إلَى زَوْجِهَا إذَا أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَى الطَّلَاقِ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ لِقَصْرِ يَدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute