وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ جُعِلَتْ فِي يَدِهِ) لِقِيَامِ الْحُجَّةِ لِأَنَّ الْيَدَ حَقٌّ مَقْصُودٌ (وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ جُعِلَتْ فِي أَيْدِيهِمَا) لِمَا بَيَّنَّا فَلَا يَسْتَحِقُّ لِأَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَدْ لَبِنَ فِي الْأَرْضِ أَوْ بَنِي أَوْ حَفَرَ فَهِيَ فِي يَدِهِ) لِوُجُودِ التَّصَرُّفِ وَالِاسْتِعْمَالِ فِيهَا.
مِنْ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ مَا غَابَ عَنْ الْمُشَاهَدَةِ (وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ جُعِلَتْ فِي يَدِهِ لِقِيَامِ الْحُجَّةِ) فَإِنْ قِيلَ: الْبَيِّنَةُ تُقَامُ عَلَى خَصْمٍ وَحَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهَا فِي يَدِ الْآخَرِ فَلَيْسَ بِخَصْمٍ.
أُجِيبَ بِأَنَّهُ خَصْمٌ بِاعْتِبَارِ مُنَازَعَتِهِ فِي الْيَدِ، وَمَنْ كَانَ خَصْمًا لِغَيْرِهِ بِاعْتِبَارِ مُنَازَعَتِهِ فِي شَيْءٍ شَرْعًا كَانَتْ بَيِّنَتُهُ مَقْبُولَةً، وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ الْيَدَ حَقٌّ مَقْصُودٌ) يَعْنِي فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُدَّعِيهِ خَصْمًا (فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ جُعِلَتْ فِي أَيْدِيهِمَا) لِقِيَامِ الْحُجَّةِ.
فَإِنْ طَلَبَا الْقِسْمَةَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُقْسَمْ بَيْنَهُمَا مَا لَمْ يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ.
قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى ذَكَرَهَا فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ، وَهِيَ مَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي أَيْدِي وَرَثَةٍ حُضُورٍ كِبَارٍ أَقَرُّوا عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهَا مِيرَاثٌ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ أَبِيهِمْ وَالْتَمَسُوا مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَقْسِمَهَا بَيْنَهُمْ، فَالْقَاضِي لَا يَقْسِمُهَا بَيْنَهُمْ حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُمْ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُمْ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَقْسِمُهَا بَيْنَهُمْ بِإِقْرَارِهِمْ، وَيُشْهِدُ أَنَّهُ إنَّمَا قَسَمَهَا بَيْنَهُمْ بِإِقْرَارِهِمْ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْمَذْكُورُ هَاهُنَا قَوْلُ الْكُلِّ، لِأَنَّ الْقِسْمَةَ نَوْعَانِ: قِسْمَةٌ بِحَقِّ الْمِلْكِ لِتَكْمُلَ الْمَنْفَعَةُ وَقِسْمَةُ الْيَدِ لِأَجْلِ الْحِفْظِ وَالصِّيَانَةِ بِحَقٍّ وَالْعَقَارُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى الْحِفْظِ، فَمَا لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ لَا يُقْسَمُ لِأَنَّ الْعَقَارَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى ذَلِكَ، وَإِنْ طَلَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمِينَ صَاحِبِهِ مَا هِيَ فِي يَدِهِ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا هِيَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ عَلَى الْبَتَاتِ، فَإِنْ حَلَفَا لَمْ يَقْضِ لَهُمَا بِالْيَدِ وَبَرِئَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ دَعْوَى صَاحِبِهِ وَتُوقَفُ الدَّارُ إلَى أَنْ تَظْهَرَ حَقِيقَةُ الْحَالِ، وَإِنْ نَكَلَا قُضِيَ لِكُلِّ وَاحِدٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute