(وَمَنْ عَطَسَ فَقَالَ لَهُ آخَرُ يَرْحَمُك اللَّهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ) لِأَنَّهُ يَجْرِي فِي مُخَاطَبَاتِ النَّاسِ فَكَانَ مِنْ كَلَامِهِمْ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ الْعَاطِسُ أَوْ السَّامِعُ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا قَالُوا لِأَنَّهُ لَمْ يُتَعَارَفْ جَوَابًا
(وَإِنْ اسْتَفْتَحَ فَفَتْحَ عَلَيْهِ
تُفْسِدُ عِنْدَهُمَا. قِيلَ إنَّمَا قَالَ يَنْبَغِي؛ لِأَنَّ الْمَشَايِخَ اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا كَانَ التَّنَحْنُحُ لِإِصْلَاحِ الصَّوْتِ لِلْقِرَاءَةِ، فَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: لَا تُفْسِدُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِمَعْنَى الْقِرَاءَةِ مَعْنًى، كَالْمَشْيِ لِلْبِنَاءِ فَإِنَّهُ لِكَوْنِهِ لِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ صَارَ مِنْ الصَّلَاةِ، وَكَذَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ. وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَدْفُوعًا إلَيْهِ فِي التَّنَحْنُحِ إلَّا أَنَّهُ فَعَلَ لِإِصْلَاحِ الْحَلْقِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْقِرَاءَةِ إنْ ظَهَرَ لَهُ حُرُوفٌ كَقَوْلِهِ " أُحْ أُحْ " وَتَكَلَّفَ لِذَلِكَ كَانَ الْفَقِيهُ إسْمَاعِيلُ الزَّاهِدُ يَقُولُ: يَقْطَعُ الصَّلَاةَ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهَا حُرُوفُ هِجَاءٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ لَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ، وَلَا وَقَعَ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ اخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ كَذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ: عِنْدَهُمَا أَيْضًا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَحَصَلَ بِهِ حُرُوفٌ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَمَذْهَبُهُ حِينَئِذٍ كَمَذْهَبِهِمَا كَمَا مَرَّ فَلَا وَجْهَ لِإِفْرَادِهِمَا بِالذِّكْرِ، فَإِنْ حُمِلَ الْجَمْعُ هَاهُنَا أَيْضًا عَلَى التَّنْبِيهِ انْدَفَعَ النَّظَرُ الثَّانِي، وَيُقَالُ فِي دَفْعِ الْأَوَّلِ: إنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ نَقْلٌ عَنْ الْأَئِمَّةِ، وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مُفْسِدًا فَقَالَ يَنْبَغِي وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَهُوَ عَفْوٌ: أَيْ مَعْفُوٌّ كَالْعُطَاسِ وَالْجُشَاءُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَإِنْ حَصَلَ بِهِ حُرُوفُ هِجَاءٍ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ عَطَسَ فَقَالَ لَهُ آخَرُ يَرْحَمُك اللَّهُ وَهُوَ) أَيْ الْقَائِلُ (فِي الصَّلَاةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَجْرِي فِي مُخَاطَبَاتِ النَّاسِ فَكَانَ مِنْ كَلَامِهِمْ) وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ آخَرُ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَهُ الْعَاطِسُ بِنَفْسِهِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ يَرْحَمُنِي اللَّهُ وَبِهِ لَا تَفْسُدُ، كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ الْعَاطِسُ أَوْ السَّامِعُ الْحَمْدُ لِلَّهِ) فَإِنَّهُ لَا يُفْسِدُ (عَلَى مَا قَالُوا) وَفِي هَذَا اللَّفْظِ إشَارَةٌ إلَى خِلَافِ الْبَعْضِ. وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَاطِسَ يَحْمَدُ فِي نَفْسِهِ وَلَا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ، فَإِنْ حَرَّكَهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَجْهُ الْأَوَّلِ مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ لَمْ يُتَعَارَفْ جَوَابًا.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ اسْتَفْتَحَ فَفَتَحَ عَلَيْهِ) الِاسْتِفْتَاحُ طَلَبُ الْفَتْحِ وَالِاسْتِنْصَارُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ﴾ أَيْ يَسْتَنْصِرُونَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَاهُنَا مُرَادًا وَالِاسْتِفْتَاحُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ بِحَسَبِ الْقِسْمَةِ الْعَقْلِيَّةِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَفْتِحَ وَالْفَاتِحَ إمَّا أَنْ يَكُونَا فِي الصَّلَاةِ وَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، أَوْ يَكُونَا فِيهَا، أَوْ يَكُونُ الْمُسْتَفْتِحُ فِيهَا دُونَ الْفَاتِحِ أَوْ بِالْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَا فِي الصَّلَاةِ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ مُتَّحِدَةً بِأَنْ يَكُونَ الْمُسْتَفْتِحُ إمَامًا وَالْفَاتِحُ مَأْمُومًا أَوْ لَا يَكُونُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute