وَالسَّتُّوقَةُ لَيْسَتْ مِنْ الْأَثْمَانِ وَالْبَيْعُ يُرَدُّ عَلَى الثَّمَنِ فَكَانَ رُجُوعًا. وَقَوْلُهُ إلَّا أَنَّهَا وَزْنُ خَمْسَةٍ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءً لِأَنَّهُ مِقْدَارٌ بِخِلَافِ الْجَوْدَةِ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْوَصْفِ لَا يَجُوزُ كَاسْتِثْنَاءِ الْبِنَاءِ فِي الدَّارِ،
حَتَّى لَوْ تَجُوزَ بِهِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ كَانَ اسْتِيفَاءً لَا اسْتِبْدَالًا، وَالسَّتُّوقَةُ بِمَجَازِهِ لِأَنَّهَا تُسَمَّى دَرَاهِمَ مَجَازًا فَأَمْكَنَ أَنْ يَتَوَقَّفَ صَدْرُ الْكَلَامِ عَلَى عَجُزِهِ، فَإِذَا ذَكَرَهَا آخِرًا كَانَ بَيَانُ تَغْيِيرٍ فَيَصِحُّ مَوْصُولًا كَالشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ وَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ إلَّا أَنَّهَا وَزْنُ خَمْسَةٍ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذَا رُجُوعٌ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ عَنْ الْعَيْبِ وَالزِّيَافَةُ عَيْبٌ فَلَمْ يَكُنْ دَاخِلًا تَحْتَ الْعَقْدِ لِكَوْنِ دَعْوَاهُ بَيَانًا بَلْ يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ بَعْضِ مُوجِبِهِ، وَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُك مَعِيبًا وَقَالَ الْمُشْتَرِي سَلِيمًا كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ (وَالسَّتُّوقَةُ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ وَالْبَيْعُ يُرَدُّ عَلَى الثَّمَنِ) فَلَمْ يَكُنْ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ الْعَقْدِ (فَكَانَ) دَعْوَاهَا (رُجُوعًا) قَالَ (وَقَوْلُهُ إلَّا أَنَّهَا وَزْنُ خَمْسَةٍ) جَوَابٌ عَمَّا اسْتَشْهَدَ بِهِ.
وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً لِأَنَّهُ مِقْدَارٌ، بِخِلَافِ الْجَوْدَةِ فَإِنَّهَا وَصْفٌ وَاسْتِثْنَاءُ الْوَصْفِ لَا يَجُوزُ كَاسْتِثْنَاءِ الْبِنَاءِ فِي الدَّارِ.
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ يُسْتَثْنَى الْوَصْفُ كَمَا إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ كُرٌّ حِنْطَةً مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ إلَّا أَنَّهَا رَدِيئَةٌ لِأَنَّ الرَّدَاءَةَ ضِدُّ الْجَوْدَةِ فَهُمَا صِفَتَانِ يَتَعَاقَبَانِ عَلَى مَوْضُوعٍ وَاحِدٍ.
أَجَابَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الرَّدَاءَةَ نَوْعٌ لَا عَيْبٌ.
فَإِنْ قِيلَ: فَالْجَوْدَةُ كَذَلِكَ لِمَا مَرَّ أَنَّهُمَا ضِدَّانِ دَفْعًا لِلتَّحَكُّمِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّدَاءَةَ فِي الْحِنْطَةِ مُنَوِّعَةٌ لَا عَيْبٌ وَفِي الدَّرَاهِمِ عَيْبٌ، لِأَنَّ الْعَيْبَ مَا يَخْلُو عَنْهُ أَصْلُ الْخِلْقَةِ السَّلِيمَةِ، وَالْحِنْطَةُ قَدْ تَكُونُ رَدِيئَةً فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَإِنْ كَانَ نَوْعًا لَمْ يَكُنْ مُقْتَضَى مُطْلَقِ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى نَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ الشِّرَاءُ بِالْحِنْطَةِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهَا جَيِّدَةٌ أَوْ وَسَطٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute