وَذَلِكَ اعْتِيَاضٌ عَنِ الْأَجَلِ وَهُوَ حَرَامٌ (وَإِنْ كَانَ لَهُ أَلْفٌ سُودٌ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ بِيضٍ لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ الْبِيضَ غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ وَهِيَ زَائِدَةٌ وَصْفًا فَيَكُونُ مُعَاوَضَةُ الْأَلْفِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَزِيَادَةِ وَصْفٍ وَهُوَ رِبًا، بِخِلَافِ مَا إِذَا صَالَحَ عَنِ الْأَلْفِ الْبِيضِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ سُودٍ حَيْثُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ إِسْقَاطٌ كُلُّهُ قَدْرًا وَوَصْفًا، وَبِخِلَافِ مَا إِذَا صَالَحَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ وَهُوَ أَجْوَدُ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةُ الْمِثْلِ بِالْمِثْلِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالصِّفَةِ إِلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَمِائَةُ دِينَارٍ فَصَالَحَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ حَالَّةٍ أَوْ إِلَى شَهْرٍ صَحَّ الصُّلْحُ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ إِسْقَاطًا لِلدَّنَانِيرِ كُلِّهَا وَالدَّرَاهِمِ إِلَّا مِائَةً وَتَأْجِيلًا لِلْبَاقِي فَلَا يُجْعَلُ مُعَاوَضَةً تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ أَوْ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ فِيهِ أَلْزَمُ
قَالَ (وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَقَالَ أَدِّ إِلَيَّ غَدًا مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ عَلَى أَنَّكَ بَرِيءٌ مِنَ الْفَضْلِ فَفَعَلَ فَهُوَ بَرِيءٌ، فَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ إِلَيْهِ الْخَمْسَمِائَةِ غَدًا عَادَ عَلَيْهِ الْأَلْفُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَعُودُ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ إِبْرَاءٌ مُطْلَقٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَعَلَ أَدَاءَ الْخَمْسِمِائَةِ عِوَضًا؛ حَيْثُ ذَكَرَهُ بِكَلِمَةِ عَلَى وَهِيَ لِلْمُعَاوَضَةِ،
مِثْلِهِ مِنْ الدَّيْنِ (وَ) صِفَةُ (التَّعْجِيلِ فِي مُقَابَلَةِ الْبَاقِي وَذَلِكَ اعْتِيَاضٌ عَنْ الْأَجَلِ وَهُوَ حَرَامٌ) رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ ﵄ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَقَالَ: إنَّ هَذَا يُرِيدُ أَنْ أُطْعِمَهُ الرِّبَا.
وَهَذَا لِأَنَّ حُرْمَةَ رِبَا النَّسَاءِ لَيْسَتْ إلَّا لِشُبْهَةِ مُبَادَلَةِ الْمَالِ بِالْأَجَلِ، فَحَقِيقَةُ ذَلِكَ أَوْلَى بِذَلِكَ (وَلَوْ كَانَ لَهُ أَلْفٌ سُودٌ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ بِيضٍ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ كَانَتْ بِالْعَكْسِ جَازَ) وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُسْتَوْفَى إذَا كَانَ أَدْوَنَ مِنْ حَقِّهِ فَهُوَ إسْقَاطٌ كَمَا فِي الْعَكْسِ، وَإِنْ كَانَ أَزْيَدَ قَدْرًا أَوْ وَصْفًا فَهُوَ مُعَاوَضَةٌ (لِأَنَّ الزِّيَادَةَ غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ لَهُ) فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ اسْتِيفَاءً (فَيَكُونُ مُعَاوَضَةَ الْأَلْفِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَزِيَادَةَ وَصْفٍ وَهُوَ رِبًا) فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ حَقُّهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ نَبَهْرَجَةٍ فَصَالَحَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ بَخِّيَّةٍ نَقْدِ بَيْتِ الْمَالِ فَهُوَ أَجْوَدُ مِنْ النَّبَهْرَجَةِ وَجَازَ الصُّلْحُ وَالزِّيَادَةُ مَوْجُودَةٌ.
أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَبِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ وَهُوَ أَجْوَدُ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةُ الْمِثْلِ بِالْمِثْلِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالصِّفَةِ إلَّا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ) وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْجَوْدَةَ إذَا وَقَعَتْ فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ كَانَ رِبًا كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنَّهَا قُوبِلَتْ بِخَمْسِمِائَةٍ مِنْ السُّودِ وَهُوَ رِبًا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقَعْ فَذَلِكَ صَرْفٌ وَالْجَيِّدُ وَالرَّدِيءُ فِيهِ سَوَاءٌ يَدًا بِيَدٍ (وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَمِائَةُ دِينَارٍ فَصَالَحَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ حَالَّةٍ أَوْ مُؤَجَّلَةٍ صَحَّ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ جَعْلُهُ إسْقَاطًا لِلدَّنَانِيرِ كُلِّهَا وَالدَّرَاهِمِ إلَّا مِائَةً) إنْ كَانَتْ حَالَّةً وَإِسْقَاطًا لِذَلِكَ (وَتَأْجِيلًا لِلْبَاقِي) إنْ كَانَتْ مُؤَجَّلَةً (تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ أَوْ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ فِيهِ أَلْزَمُ) لِأَنَّ مَبْنَى الصُّلْحِ عَلَى الْحَطِيطَةِ وَالْحَطُّ هَاهُنَا أَكْثَرُ فَيَكُونُ الْإِسْقَاطُ أَلْزَمَ مِنْ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ.
قَالَ (وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَخْ) وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ حَالَّةٌ فَقَالَ أَدِّ إلَيَّ غَدًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute