وَكَذَا الْإِحْرَاقُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ﵀ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ﵀ وَالتَّزَوُّجُ بِهِ إِتْلَافٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَكَذَا الصُّلْحُ عَلَيْهِ مِنْ جِنَايَةِ الْعَمْدِ. قَالَ (وَإِذَا كَانَ السَّلَمُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ﵀ يَجُوزُ الصُّلْحُ) اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الدُّيُونِ،
مَالًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عِنْدَ وُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا (وَكَذَا الْإِحْرَاقُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) وَصُورَتُهُ: مَا إذَا رَمَى النَّارَ عَلَى ثَوْبِ الْمَدْيُونِ فَأَحْرَقَهُ وَهُوَ يُسَاوِي نَصِيبَ الْمُحْرَقِ، وَأَمَّا إذَا أَخَذَ الثَّوْبَ ثُمَّ أَحْرَقَهُ فَإِنَّ لِلشَّرِيكِ السَّاكِتِ أَنْ يَتَّبِعَ الْمُحْرِقَ بِالْإِجْمَاعِ.
لِمُحَمَّدٍ ﵀ أَنَّ الْإِحْرَاقَ إتْلَافٌ لِمَالٍ مَضْمُونٍ فَكَانَ كَالْغَصْبِ، وَالْمَدْيُونُ صَارَ قَاضِيًا لِنَصِيبِهِ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ فَيُجْعَلُ الْمُحْرِقُ مُقْتَضِيًا، وَلِأَبِي يُوسُفَ ﵀ أَنَّ مُتْلِفَ نَصِيبَهُ بِمَا صَنَعَ لَا قَابِضَ، لِأَنَّ الْإِحْرَاقَ إتْلَافٌ فَكَانَ هَذَا نَظِيرَ الْجِنَايَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ جَنَى عَلَى نَفْسِ الْمَدْيُونِ حَتَّى سَقَطَ نَصِيبُهُ مِنْ الدَّيْنِ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، فَكَذَا إذَا جَنَى بِالْإِحْرَاقِ، وَإِذَا تَزَوَّجَ بِنَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ الشَّرِيكُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ مِنْ حِصَّتِهِ شَيْئًا مَضْمُونًا يَقْبَلُ الشَّرِكَةَ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ بِهِ الْبُضْعَ، وَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ وَلَا مَضْمُونٍ عَلَى أَحَدٍ فَكَانَ كَالْجِنَايَةِ وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرْجِعُ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ وَإِنْ كَانَ بِالنَّصِيبِ لَفْظًا فَهُوَ بِمِثْلِهِ مَعْنًى فَيَكُونُ دَيْنُ الْمَهْرِ الْوَاجِبِ لِلْمَرْأَةِ آخِرَ الدَّيْنَيْنِ فَيَصِيرُ قَضَاءً لِلْأَوَّلِ فَيَتَحَقَّقُ الْقَضَاءُ وَالِاقْتِضَاءُ، وَالصُّلْحُ عَلَى نَصِيبِهِ بِجِنَايَةِ الْعَمْدِ إتْلَافٌ كَالتَّزَوُّجِ بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا قَابِلًا لِلشَّرِكَةِ بَلْ أَتْلَفَ نَصِيبَهُ.
قِيلَ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ عَمْدًا لِأَنَّهُ فِي الْخَطَإِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَ فِي الْإِيضَاحِ فَقَالَ: وَلَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً فَصَالَحَهُ عَلَى حِصَّتِهِ لَمْ يَلْزَمْ الشَّرِيكَ شَيْءٌ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَنْ الْمُوضِحَةِ بِمَنْزِلَةِ النِّكَاحِ، وَأَرَى أَنَّهُ قَيَّدَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْأَرْشَ قَدْ يَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ فَلَمْ يَكُنْ مُقْتَضِيًا لِشَيْءٍ.
قَالَ (وَإِذَا كَانَ السَّلَمُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ إلَخْ) إذَا أَسْلَمَ رَجُلَانِ رَجُلًا فِي كُرِّ حِنْطَةٍ فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا مَعَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَيَفْسَخَ عَقْدَ السَّلَمِ فِي نَصِيبِهِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إلَّا بِإِجَازَةِ الْآخَرِ، فَإِنْ أَجَازَ جَازَ وَكَانَ الْمَقْبُوضُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَمَا بَقِيَ مِنْ السَّلَمِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: جَازَ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الدُّيُونِ، فَإِنَّ أَحَدَ الدَّائِنَيْنِ إذَا صَالَحَ الْمَدْيُونَ عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى بَدَلٍ جَازَ وَكَانَ الْآخَرُ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْمَقْبُوضِ وَبَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَدْيُونِ بِنَصِيبِهِ كَذَلِكَ هَاهُنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute