وَالْمُدَّعِي مُوسِرٌ، فَإِنْ شَاءَ رَبُّ الْمَالِ اسْتَسْعَى الْغُلَامَ فِي أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ) وَوَجْهٌ ذَلِكَ أَنَّ الدَّعْوَةَ صَحِيحَةٌ فِي الظَّاهِرِ حَمْلًا عَلَى فِرَاشِ النِّكَاحِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَنْفُذْ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْمَلِكُ لِعَدَمِ ظُهُورِ الرِّبْحِ لِأَنَّ كُلَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَعْنِي الْأُمَّ وَالْوَلَدَ مُسْتَحَقٌّ بِرَأْسِ الْمَالِ، كَمَالِ الْمُضَارَبَةِ إِذَا صَارَ أَعْيَانًا كُلُّ عَيْنٍ مِنْهَا يُسَاوِي رَأْسَ الْمَالِ لَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ كَذَا هَذَا، فَإِذَا زَادَتْ قِيمَةُ الْغُلَامِ الْآنَ ظَهَرَ الرِّبْحُ فَنَفَذَتِ الدَّعْوَةُ السَّابِقَةُ، بِخِلَافِ مَا إِذَا أَعْتَقَ الْوَلَدَ ثُمَّ ازْدَادَتِ الْقِيمَةُ.
لِأَنَّ ذَلِكَ إِنْشَاءُ الْعِتْقِ، فَإِذَا بَطَلَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ لَا يَنْفُذُ بَعْدَ ذَلِكَ بِحُدُوثِ الْمِلْكِ، أَمَّا هَذَا فَإِخْبَارٌ فَجَازَ أَنْ يَنْفُذَ عِنْدَ حُدُوثِ الْمِلْكِ كَمَا إِذَا أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ، وَإِذَا صَحَّتِ الدَّعْوَةُ وَثَبَتَ النَّسَبُ عَتَقَ الْوَلَدُ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِي بَعْضِهِ، وَلَا يَضْمَنُ لِرَبِّ الْمَالِ شَيْئًا مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ لِأَنَّ عِتْقَهُ ثَبَتَ بِالنَّسَبِ وَالْمِلْكِ وَالْمِلْكُ آخِرُهُمَا فَيُضَافُ إِلَيْهِ وَلَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ، وَهَذَا ضَمَانُ إِعْتَاقٍ فَلَا بُدَّ مِنَ التَّعَدِّي وَلَمْ يُوجَدْ (وَلَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْغُلَامَ) لِأَنَّهُ احْتُبِسَتْ مَالِيَّتُهُ عِنْدَهُ، وَلَهُ أَنْ يَعْتِقَ لِأَنَّ الْمُسْتَسْعَى كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ،
إذَا كَانَ مُوسِرًا، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَضْمَنُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الدَّعْوَةَ صَحِيحَةٌ فِي الظَّاهِرِ لِصُدُورِهَا مِنْ أَهْلِهَا فِي مَحَلِّهَا حَمْلًا عَلَى الْفِرَاشِ بِالنِّكَاحِ بِأَنْ زَوَّجَهَا مِنْهُ الْبَائِعُ ثُمَّ بَاعَهَا مِنْهُ فَوَطِئَهَا فَعَلِقَتْ مِنْهُ لَكِنَّهُ: أَيْ الِادِّعَاءَ لَمْ يَنْفُذْ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ لِعَدَمِ ظُهُورِ الرِّبْحِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأُمِّ وَالْغُلَامِ مُسْتَحَقٌّ بِرَأْسِ الْمَالِ، كَمَالِ الْمُضَارَبَةِ إذَا صَارَ أَعْيَانًا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يُسَاوِي رَأْسَ الْمَالِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ عَبْدَيْنِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسَاوِي أَلْفًا فَإِنَّهُ لَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ، وَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ الرِّبْحُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُضَارِبِ فِي الْجَارِيَةِ مِلْكٌ وَبِدُونِ الْمِلْكِ لَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ.
وَاعْتُرِضَ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْجَارِيَةَ كَانَتْ مُتَعَيِّنَةً لِرَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ الْوَلَدِ فَتَبْقَى كَذَلِكَ وَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ كُلُّهُ رِبْحًا.
وَالثَّانِي أَنَّ الْمُضَارِبَ إذَا اشْتَرَى بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ فَرَسَيْنِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسَاوِي أَلْفًا كَانَ لَهُ رُبْعُهُمَا حَتَّى لَوْ وَهَبَ ذَلِكَ لِرَجُلٍ وَسَلَّمَهُ صَحَّ.
وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ تَعَيُّنَهَا كَانَ لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ لَا لِأَنَّهَا رَأْسُ الْمَالِ، فَإِنَّ رَأْسَ الْمَالِ هُوَ الدَّرَاهِمُ وَبَعْدَ الْوَلَدِ تَحَقَّقَتْ الْمُزَاحَمَةُ فَذَهَبَ تَعَيُّنُهَا وَلَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ الْآخَرِ فَاشْتَغَلَا بِرَأْسِ الْمَالِ.
وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ أَعْيَانًا أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَالْفَرَسَانِ جِنْسٌ وَاحِدٌ يُقْسَمَانِ جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَإِذَا اُعْتُبِرَا جُمْلَةً حَصَّلَ الْبَعْضَ رِبْحًا، بِخِلَافِ الْعَبْدَيْنِ فَإِنَّهُمَا لَا يُقْسَمَانِ جُمْلَةً بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ يَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى حَالِهِ لِيَكُونَ الرَّقِيقُ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلًا وَاحِدًا، وَعِنْدَهُمَا أَيْضًا فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ: وَإِذَا امْتَنَعَتْ الْقِسْمَةُ لَمْ يَظْهَرْ الرِّبْحُ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَشْغُولًا بِرَأْسِ الْمَالِ، فَإِنْ زَادَتْ قِيمَةُ الْغُلَامِ عَلَى مِقْدَارِ رَأْسِ الْمَالِ فَقَدْ ظَهَرَ الرِّبْحُ وَنَفَذَتْ الدَّعْوَةُ السَّابِقَةُ لِأَنَّ سَبَبَهَا كَانَ مَوْجُودًا وَهُوَ فِرَاشُ النِّكَاحِ، إلَّا أَنَّهَا لَمْ تَنْفُذْ لِوُجُودِ الْمَانِعِ وَهُوَ عَدَمُ الْمِلْكِ، فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ صَارَ نَافِذًا، بِخِلَافِ مَا إذَا أُعْتِقَ الْوَلَدُ ثُمَّ ازْدَادَتْ قِيمَةُ الْغُلَامِ، لِأَنَّ ذَلِكَ إنْشَاءُ الْعِتْقِ وَلَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فَكَانَ بَاطِلًا، وَإِذَا بَطَلَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ لَا يَنْفُذُ بَعْدَ ذَلِكَ لِحُدُوثِ الْمِلْكِ.
وَأَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِخْبَارٌ فَجَازَ أَنْ يَنْفُذَ عِنْدَ حُدُوثِهِ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute