بَعْدَهُ فَيَضْمَنُهُ بِحَبْسِهِ عَنْهُ.
قَالَ (وَإِنْ خَلَطَهَا الْمُودَعُ بِمَالِهِ حَتَّى لَا تَتَمَيَّزَ ضَمِنَهَا ثُمَّ لَا سَبِيلَ لِلْمُودَعِ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: إِذَا خَلَطَهَا بِجِنْسِهَا شَرِكَهُ إِنْ شَاءَ) مِثْلُ أَنْ يَخْلِطَ الدَّرَاهِمَ الْبِيضَ بِالْبِيضِ وَالسُّودَ بِالسُّودِ وَالْحِنْطَةَ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ. لَهُمَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إِلَى عَيْنِ حَقِّهِ صُورَةً وَأَمْكَنَهُ مَعْنًى بِالْقِسْمَةِ فَكَانَ اسْتِهْلَاكًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَيَمِيلُ إِلَى أَيِّهِمَا شَاءَ. وَلَهُ أَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ مِنْ كُلِ وَجْهٍ لِأَنَّهُ فِعْلٌ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْوُصُولُ إِلَى عَيْنِ حَقِّهِ.
وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْقِسْمَةِ لِأَنَّهَا مِنْ مُوجِبَاتِ الشَّرِكَةِ فَلَا تَصْلُحُ مُوجِبَةً لَهَا، وَلَوْ أَبْرَأَ الْخَالِطَ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْمَخْلُوطِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ إِلَّا فِي الدَّيْنِ وَقَدْ سَقَطَ، وَعِنْدَهُمَا بِالْإِبْرَاءِ تَسْقُطُ خِيرَةُ الضَّمَانِ فَيَتَعَيَّنُ الشَّرِكَةُ فِي الْمَخْلُوطِ، وَخَلْطُ الْخَلِّ بِالزَّيْتِ وَكُلِّ مَائِعٍ بِغَيْرِ جِنْسِهِ يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْمَالِكِ إِلَى الضَّمَانِ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ صُورَةً وَكَذَا مَعْنًى لِتَعَذُّرِ الْقِسْمَةِ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ خَلْطُ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَخْلُو عَنْ حَبَّاتِ الْآخَرِ فَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ وَالْقِسْمَةُ. وَلَوْ خَلَطَ الْمَائِعَ بِجِنْسِهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ إِلَى ضَمَانٍ لِمَا ذَكَرْنَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُجْعَلُ الْأَقَلُّ تَابِعًا لِلْأَكْثَرِ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ أَجْزَاءً، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ شَرِكَهُ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّ الْجِنْسَ لَا يَغْلِبُ الْجِنْسَ عِنْدَهُ عَلَى مَا مَرَّ فِي الرَّضَاعِ،
مَا لَا يَرْضَى بِهِ الْمُودَعُ فَإِذَا طَلَبَهُ لَمْ يَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ بِإِمْسَاكِهِ وَقَدْ حَبَسَهُ فَصَارَ ضَامِنًا
وَالْخَلْطُ النَّافِي لِلتَّمْيِيزِ تَعَدٍّ فَيُوجِبُ الضَّمَانَ وَيَقْطَعُ الشَّرِكَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَا: إنْ خَلَطَ بِالْجِنْسِ شَرِكَهُ إنْ شَاءَ، مِثْلُ أَنْ يَخْلِطَ الدَّرَاهِمَ الْبِيضَ بِمِثْلِهَا وَالسُّودَ بِمِثْلِهَا وَالْحِنْطَةَ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ وَإِلَّا تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَى حَقِّهِ صُورَةً وَأَمْكَنَهُ مَعْنًى بِالْقِسْمَةِ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ اسْتِهْلَاكٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ مَعَهُ إلَى عَيْنِ حَقِّهِ وَهَذَا مُسَلَّمٌ عِنْدَ الْخَصْمِ (قَوْلُهُ وَأَمْكَنَهُ مَعْنًى) غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ بِالْقِسْمَةِ وَهِيَ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرِكَةِ (فَلَا تَصْلُحُ مُوجِبَةً لَهَا) لِئَلَّا يَنْقَلِبَ الْمَعْلُولُ عِلَّةً (وَلَوْ أَبْرَأَ) الْمَالِكُ (الْخَالِطَ سَقَطَ حَقُّهُ عَنْ ذِمَّةِ الْمُودَعِ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ إلَّا فِي الدَّيْنِ وَقَدْ أُسْقِطَ وَعِنْدَهُمَا تَسْقُطُ خِيَرَةُ الضَّمَانِ لِتَعَيُّنِ الدَّيْنِ لِصَرْفِ الْإِبْرَاءِ إلَيْهِ فَتَبْقَى الشَّرِكَةُ فِي الْمَخْلُوطِ وَ) إنْ خَلَطَ الْمَائِعَ بِغَيْرِ الْجِنْسِ كَ (خَلْطِ الْحُلِّ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ دُهْنُ السِّمْسِمِ (بِزَيْتِ الزَّيْتُونِ) صَارَ مَذْهَبُهُمَا كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَ (يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْمَالِكِ إلَى الضَّمَانِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ صُورَةً) وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَمَعْنًى لِتَعَذُّرِ الْقِسْمَةِ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ) لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْقِسْمَةِ بِالْإِفْرَازِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ (وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ) أَيْ مِنْ قَبِيلِ انْقِطَاعِ حَقِّ الْمَالِكِ بِالْإِجْمَاعِ (خَلْطُ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ فِي الصَّحِيحِ) وَقَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ إنَّ الْجَوَابَ فِي ذَلِكَ كَالْجَوَابِ فِي خَلْطِ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ فَكَانَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ (لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَخْلُو عَنْ حَبَّاتِ الْآخَرِ فَيَتَعَذَّرُ التَّمْيِيزُ) صُورَةً وَمَعْنًى (وَإِنْ خَلَطَ الْمَائِعَ بِجِنْسِهِ أَوْجَبَ الضَّمَانَ عِنْدَهُ لِمَا ذَكَرْنَا) مِنْ الِاسْتِهْلَاكِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُجْعَلُ الْأَقَلُّ تَابِعًا لِلْأَكْثَرِ) فَيَكُونُ الْمَخْلُوطُ لِصَاحِبِ الْكَثِيرِ وَيَضْمَنُ لِصَاحِبِ الْقَلِيلِ (اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ أَجْزَاءً وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ شَرِكَهُ بِكُلِّ حَالٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْخَلْطُ بِالْقَلِيلِ أَوْ بِغَيْرِهِ (لِأَنَّ الْجِنْسَ لَا يَغْلِبُ الْجِنْسَ عِنْدَهُ لِمَا مَرَّ فِي الرَّضَاعِ) إذَا جُمِعَ بَيْنَ لَبَنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute