للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظَةِ الْإِبَاحَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا ضَرْبُ الْمُدَّةِ، وَمَعَ الْجَهَالَةِ لَا يَصِحُّ التَّمْلِيكُ وَلِذَلِكَ يَعْمَلُ فِيهَا النَّهْيُ، وَلَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ مِنْ غَيْرِهِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ التَّمْلِيكِ، فَإِنَّ الْعَارِيَّةَ مِنْ الْعَرِيَّةِ وَهِيَ الْعَطِيَّةِ وَلِهَذَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ، وَالْمَنَافِعُ قَابِلَةٌ لِلْمِلْكِ كَالْأَعْيَانِ. وَالتَّمْلِيكُ نَوْعَانِ: بِعِوَضٍ، وَبِغَيْرِ عِوَضٍ. ثُمَّ الْأَعْيَانُ تَقْبَلُ النَّوْعَيْنِ، فَكَذَا

قَالَ (لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا ضَرْبُ الْمُدَّةِ، وَالنَّهْيُ يَعْمَلُ فِيهِ وَلَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ مِنْ غَيْرِهِ) وَكُلٌّ مِنْ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا إبَاحَةٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ التَّمْلِيكَ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ التَّمْلِيكَ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْمَنَافِعُ مَعْلُومَةً لِأَنَّ تَمْلِيكَ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ وَلَا يُعْلَمُ إلَّا بِضَرْبِ الْمُدَّةِ وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَكَانَ تَمْلِيكًا لِلْمَجْهُولِ.

وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّ الْمُعِيرَ يَمْلِكُ النَّهْيَ عَنْ الِاسْتِعْمَالِ، وَلَوْ كَانَ تَمْلِيكًا لَمَا مَلَكَهُ كَالْأَجِيرِ لَا يَمْلِكُ نَهْيَ الْمُسْتَأْجِرِ عَنْ الِانْتِفَاعِ. وَأَمَّا الرَّابِعُ فَلِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَ الْمُسْتَأْجَرَ لِتَمَلُّكِهِ الْمَنَافِعَ، فَلَوْ كَانَتْ الْإِعَارَةُ تَمْلِيكًا لَجَازَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ (وَقَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ: إنَّهَا تُنْبِئُ عَنْ التَّمْلِيكِ، فَإِنَّ الْعَارِيَّةَ مِنْ الْعَرِيَّةِ وَهِيَ الْعَطِيَّةُ) وَهِيَ إنَّمَا تَكُونُ تَمْلِيكًا (وَلِهَذَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ مَلَّكْتُك مَنْفَعَةَ دَارِي هَذِهِ شَهْرًا وَمَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ فَهُوَ تَمْلِيكٌ. فَإِنْ قِيلَ: الْمَنَافِعُ أَعْرَاضٌ لَا تَبْقَى فَلَا تَقْبَلُ التَّمْلِيكَ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَالْمَنَافِعُ قَابِلَةٌ لِلْمِلْكِ كَالْأَعْيَانِ) وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ قَوْلَهُ (وَالتَّمْلِيكُ نَوْعَانِ بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ) وَذَلِكَ ظَاهِرٌ لَا نِزَاعَ فِيهِ (ثُمَّ الْأَعْيَانُ تَقْبَلُ النَّوْعَيْنِ فَكَذَا الْمَنَافِعُ وَالْجَامِعُ دَفْعُ الْحَاجَةِ) وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ فِي التَّعْرِيفَاتِ وَهِيَ لَا تَقْبَلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُعَرِّفُ إذَا عَرَّفَ شَيْئًا بِالْجَامِعِ وَالْمَانِعِ، فَإِنْ سَلِمَ مِنْ النَّقْضِ فَذَاكَ، وَإِنْ اُنْتُقِضَ بِكَوْنِهِ غَيْرَ جَامِعِ أَوْ مَانِعٍ يُجَابُ عَنْ النَّقْضِ إنْ أَمْكَنَ.

وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال فَإِنَّمَا يَكُونُ فِي التَّصْدِيقَاتِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ قِيَاسٌ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْقِيَاسِ تَعْدِيَةَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الثَّابِتِ بِالنَّصِّ بِعَيْنِهِ إلَى فَرْعٍ هُوَ نَظِيرُهُ وَلَا نَصَّ فِيهِ، وَالْمَوْضُوعَاتُ لَيْسَتْ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَمَوْضُوعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ. وَالثَّالِثُ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ مُتَعَدِّيًا إلَى فَرْعٍ هُوَ نَظِيرُهُ، وَالْمَنَافِعُ لَيْسَتْ نَظِيرَ الْأَعْيَانِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهَا بِأَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ إمَّا لَفْظِيٌّ أَوْ رَسْمِيٌّ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَمَا ذُكِرَ فِي بَيَانِهِ يُجْعَلُ لِبَيَانِ الْمُنَاسَبَةِ لَا اسْتِدْلَالًا عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي جُعِلَ بَيَانًا لِخَوَاصَّ يَعْرِفُ بِهَا الْعَارِيَّةَ، وَلَوْ جَعَلْنَا الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ حُكْمَ الْعَارِيَّةِ وَعَرَّفْنَاهَا بِأَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>