(وَمَنَحَتْك هَذَا الثَّوْبَ وَحَمَلْتُك عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْهِبَةَ)؛ لِأَنَّهُمَا لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ، وَعِنْدَ عَدَمِ إرَادَتِهِ الْهِبَةَ تُحْمَلُ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ تَجَوُّزًا. قَالَ (وَأَخْدَمْتُك هَذَا الْعَبْدَ)؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي اسْتِخْدَامِهِ (وَدَارِي لَك سُكْنَى)؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ سُكْنَاهَا لَك (وَدَارِي لَك عُمْرَى سُكْنَى)؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ سُكْنَاهَا لَهُ مُدَّةَ عُمُرِهِ. وَجَعَلَ قَوْلُهُ سُكْنَى تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ لَك؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ بِدَلَالَةٍ آخِرِهِ.
قَالَ: (وَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْعَارِيَّةِ مَتَى شَاءَ) لِقَوْلِهِ ﵊ «الْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ وَالْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ» وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ تُمْلَكُ شَيْئًا فَشَيْئًا عَلَى حَسَبِ حُدُوثِهَا فَالتَّمْلِيكُ فِيمَا لَمْ يُوجَدْ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْقَبْضُ فَيَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ.
قَالَ: (وَالْعَارِيَّةُ أَمَانَةٌ إنْ هَلَكَتْ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ لَمْ يَضْمَنْ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ مَالَ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ لَا عَنْ اسْتِحْقَاقٍ فَيَضْمَنُهُ، وَالْإِذْنُ
الرَّجُلَ لِيَشْرَبَ مِنْ لَبَنِهَا ثُمَّ يَرُدَّهَا إذَا ذَهَبَ دَرُّهَا ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى قِيلَ فِي كُلِّ مَنْ أُعْطِيَ شَيْئًا مُنِحَ، وَحَمَلْتُك عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ إذَا لَمْ يَرِدْ بِهِ: أَيْ بِقَوْلِهِ هَذَا الْهِبَةُ لِأَنَّهَا لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ عُرْفًا، وَعِنْدَ عَدَمِ إرَادَتِهِ الْهِبَةَ يُحْمَلُ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ تَجَوُّزًا مِنْ حَيْثُ الْعُرْفُ الْعَامُّ وَأَخْدَمْتُك هَذَا الْعَبْدَ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْدَامِ وَهِيَ الْعَارِيَّةُ، وَدَارِي سُكْنَى لِأَنَّ مَعْنَاهُ سُكْنَاهَا لَك وَهِيَ الْعَارِيَّةُ، وَدَارِي لَك عُمْرَى سُكْنَى لِأَنَّهُ جَعَلَ سُكْنَاهَا لَهُ مُدَّةَ عُمْرِهِ، وَجَعَلَ قَوْلَهُ سُكْنَى تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ لَك لِأَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ مِنْ قَوْلِهِ لَك، لِأَنَّ قَوْلَهُ لَك يَحْتَمِلُ تَمْلِيكَ الْعَيْنِ وَتَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ، فَإِذَا مَيَّزَهُ تَعَيَّنَ فِي الْمَنْفَعَةِ فَحُمِلَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ: أَيْ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ بِدَلَالَةِ آخِرِهِ حُمِلَ الْمُحْتَمَلُ عَلَى الْمُحْكَمِ.
وَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْعَارِيَّةِ مَتَى شَاءَ لِقَوْلِهِ ﷺ «الْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ وَالْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ» وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ ظَاهِرٌ، وَفِيهِ تَعْمِيمٌ بَعْدَ التَّخْصِيصِ لِمَا عَرَفْت أَنَّ الْمِنْحَةَ عَارِيَّةٌ خَاصَّةٌ، وَفِيهِ زِيَادَةُ مُبَالَغَةٍ فِي أَنَّ الْعَارِيَّةَ مُسْتَحَقُّ الرَّدِّ، وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ تُمْلَكُ شَيْئًا فَشَيْئًا عَلَى حَسَبِ حُدُوثِهَا فَالتَّمْلِيكُ فِيمَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْقَبْضُ وَلَا يَمْلِكُ إلَّا بِهِ فَصَحَّ الرُّجُوعُ عَنْهُ.
قَالَ (وَالْعَارِيَّةُ أَمَانَةٌ إنْ هَلَكَتْ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ لَمْ يَضْمَنْ إلَخْ) إنْ هَلَكَتْ الْعَارِيَّةُ، فَإِنْ كَانَ بِتَعَدٍّ كَحَمْلِ الدَّابَّةِ مَا لَا يَحْمِلُهُ مِثْلُهَا أَوْ اسْتِعْمَالِهَا اسْتِعْمَالًا لَا يُسْتَعْمَلُ مِثْلُهَا مِنْ الدَّوَابِّ أَوْجَبَ الضَّمَانَ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَضْمَنُ لِأَنَّهُ قَبَضَ مَالَ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ لَا عَنْ اسْتِحْقَاقٍ، فَيَضْمَنُ قَوْلُهُ لِنَفْسِهِ احْتِرَازٌ عَنْ الْوَدِيعَةِ، لِأَنَّ قَبْضَ الْمُودَعِ فِيهَا لِأَجْلِ الْمُودِعِ لَا لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ. وَقَوْلُهُ لَا عَنْ اسْتِحْقَاقٍ: أَيْ لَا عَنْ اسْتِيجَابِ قَبْضٍ بِحَيْثُ لَا يَنْقُضُهُ الْآخَرُ بِدُونِ رِضَاهُ احْتِرَازٌ عَنْ الْإِجَارَةِ، فَإِنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute