مِثْلُ الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرُ خَيْرٌ مِنْ الْحِنْطَةِ إذَا كَانَ كَيْلًا. وَالثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ مُقَيَّدَةً فِي حَقِّ الْوَقْتِ مُطْلَقَةً فِي حَقِّ الِانْتِفَاعِ. وَالرَّابِعُ عَكْسُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّى مَا سَمَّاهُ، فَلَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا لَهُ أَنْ يَحْمِلَ وَيُعِيرَ غَيْرَهُ لِلْحَمْلِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَتَفَاوَتُ.
وَلَهُ أَنْ يَرْكَبَ وَيُرْكِبَ غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ الرُّكُوبُ مُخْتَلِفًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أُطْلِقَ فِيهِ فَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَ، حَتَّى لَوْ رَكِبَ بِنَفْسِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ رُكُوبُهُ، وَلَوْ أَرْكَبَ غَيْرَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَهُ حَتَّى لَوْ فَعَلَهُ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ الْإِرْكَابُ.
قَالَ: (وَعَارِيَّةُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ قَرْضٌ)؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ، وَلَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا إلَّا بِاسْتِهْلَاكِ عَيْنِهَا فَاقْتَضَى تَمْلِيكُ الْعَيْنِ ضَرُورَةً وَذَلِكَ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالْقَرْضِ وَالْقَرْضُ أَدْنَاهُمَا فَيَثْبُتُ. أَوْ؛ لِأَنَّ مِنْ قَضِيَّةِ الْإِعَارَةِ الِانْتِفَاعَ وَرَدَّ الْعَيْنِ فَأُقِيمَ رَدُّ الْمِثْلِ مَقَامَهُ. قَالُوا: هَذَا إذَا أَطْلَقَ الْإِعَارَةَ.
وَقْتٍ شَاءَ عَمَلًا بِالْإِطْلَاقِ. وَفِي الثَّانِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يُجَاوِزَ فِيهِ مَا سَمَّاهُ مِنْ الْوَقْتِ وَالْمَنْفَعَةِ (إلَّا إذَا كَانَ خِلَافًا إلَى مِثْلِ ذَلِكَ) كَمَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا قَفِيزًا مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ فَحَمَلَهَا قَفِيزًا مِنْ حِنْطَةٍ أُخْرَى (أَوْ إلَى خَيْرٍ مِنْهُ) كَمَا إذَا حَمَلَ مِثْلَ ذَلِكَ شَعِيرًا اسْتِحْسَانًا. وَفِي الْقِيَاسِ يَضْمَنُ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ، فَإِنَّ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ لَا تُعْتَبَرُ الْمَنْفَعَةُ وَالضَّرَرُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إذَا بَاعَ بِأَلْفِ دِينَارٍ لَمْ يَنْفُذْ بَيْعُهُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِلْمَالِكِ فِي تَعْيِينِ الْحِنْطَةِ، إذْ مَقْصُودُهُ دَفْعُ زِيَادَةِ الضَّرَرِ عَنْ دَابَّتِهِ، وَمِثْلُ كَيْلِ الْحِنْطَةِ مِنْ الشَّعِيرِ أَخَفُّ عَلَى الدَّابَّةِ وَالتَّقْيِيدِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا كَانَ مُفِيدًا (وَفِي الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّى مَا سَمَّاهُ مِنْ الْوَقْتِ وَالنَّوْعِ) وَعَلَى هَذَا (فَلَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا لَهُ أَنْ يُحْمَلَ وَيُعِيرَ غَيْرَهُ لِلْحَمْلِ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَتَفَاوَتُ. وَلَهُ أَنْ يَرْكَبَ وَيُرْكِبَ غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ الرُّكُوبُ مُخْتَلِفًا، لِأَنَّهُ لَمَّا أَطْلَقَ كَانَ لَهُ التَّعْيِينُ، حَتَّى لَوْ رَكِبَ بِنَفْسِهِ تَعَيَّنَ الرُّكُوبُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ غَيْرَهُ وَبِالْعَكْسِ كَذَلِكَ، فَلَوْ فَعَلَهُ ضَمِنَ لِتَعَيُّنِ الرُّكُوبِ فِي الْأَوَّلِ وَالْإِرْكَابِ فِي الثَّانِي) وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ اخْتِيَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ: غَيْرُهُ: لَهُ أَنْ يَرْكَبَ بَعْدَ الْإِرْكَابِ وَيَرْكَبَ بَعْدَ الرُّكُوبِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ ﵀ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ.
قَالَ (وَعَارِيَّةُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ قَرْضٌ إلَخْ) إذَا اسْتَعَارَ الدَّرَاهِمَ فَقَالَ لَهُ أَعَرْتُك دَرَاهِمِي هَذِهِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَقُولَ أَقْرَضْتُك، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ وَمَعْدُودٍ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ، وَلَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا إلَّا بِاسْتِهْلَاكِ عَيْنِهَا، فَكَانَ ذَلِكَ تَمْلِيكًا لِلْعَيْنِ اقْتِضَاءً، وَتَمْلِيكُ الْعَيْنِ إمَّا بِالْهِبَةِ أَوْ الْقَرْضِ، وَالْقَرْضُ أَدْنَاهُمَا لِكَوْنِهِ مُتَيَقَّنًا بِهِ. قِيلَ لِأَنَّهُ أَقَلُّ ضَرَرًا عَلَى الْمُعْطِي لِأَنَّهُ يُوجِبُ رَدَّ الْمِثْلِ، وَمَا هُوَ أَقَلُّ ضَرَرًا فَهُوَ الثَّابِتُ يَقِينًا، وَلِأَنَّ مِنْ قَضِيَّةِ الْإِعَارَةِ الِانْتِفَاعَ وَرَدَّ الْعَيْنِ وَقَدْ عَجَزَ عَنْ رَدِّهِ فَأُقِيمَ رَدُّ الْمِثْلِ مَقَامَهُ. قَالَ الْمَشَايِخُ: هَذَا إذَا أَطْلَقَ الْإِعَارَةَ.
وَأَمَّا إذَا عَيَّنَ الْجِهَةَ بِأَنْ اسْتَعَارَ دَرَاهِمَ لِيُعَايِرَ بِهَا مِيزَانًا أَوْ يُزَيِّنَ بِهَا دُكَّانًا لَمْ يَكُنْ قَرْضًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا الْمَنْفَعَةُ الْمُسَمَّاةُ، فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَعَارَ آنِيَةً لِيَتَجَمَّلَ بِهَا أَوْ سَيْفًا مُحَلًّى يَتَقَلَّدُهُ، يُقَالُ عَايَرْت الْمَكَايِيلَ أَوْ الْمَوَازِينَ إذَا قَايَسْتهَا، وَالْعِيَارُ الْمِعْيَارُ الَّذِي يُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ وَيُسَوَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute