لِأَنَّ الْجَوَازَ بِدُونِهِ ثَابِتٌ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ، وَفِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ قَبْلَ الْقَبْضِ إلْزَامُ الْمُتَبَرِّعِ شَيْئًا لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ، وَهُوَ التَّسْلِيمُ فَلَا يَصِحُّ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ أَوَانَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ فِيهَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا إلْزَامَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ؛ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ اللُّزُومِ، وَحَقُّ الْوَارِثِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ فَلَمْ يَمْلِكْهَا.
قَالَ: (فَإِنْ قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْوَاهِبِ جَازَ) اسْتِحْسَانًا (وَإِنْ قَبَضَ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْوَاهِبُ فِي الْقَبْضِ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ فِي الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْوَاهِبِ، إذْ مِلْكُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بَاقٍ فَلَا يَصِحُّ
إذْ الْجَوَازُ ثَابِتٌ قَبْلَ الْقَبْضِ) بِالِاتِّفَاقِ (وَلِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ) وَعَقْدُ التَّبَرُّعِ لَمْ يَلْزَمْ بِهِ شَيْءٌ لَمْ يُتَبَرَّعْ بِهِ (وَفِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ قَبْلَ الْقَبْضِ ذَلِكَ إذْ فِيهِ الْتِزَامُ التَّسْلِيمِ). وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُتَبَرِّعَ بِالشَّيْءِ قَدْ يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ إذَا كَانَ مِنْ تَمَامِهِ ضَرُورَةَ تَصْحِيحِهِ، كَمَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ وَهُوَ مُحْدِثٌ لَزِمَهُ الْوُضُوءُ، وَمَنْ شَرَعَ فِي صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مُغَالَطَةٌ، فَإِنَّ مَا لَا يَتِمُّ الشَّيْءُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ إذَا كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ وَاجِبًا كَمَا ذَكَرْت مِنْ الصُّوَرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ بِالنَّذْرِ أَوْ الشُّرُوعِ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ. وَالْهِبَةُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً، فَإِنَّهُ لَوْ وَهَبَ وَسَلَّمَ جَازَ لَهُ الرُّجُوعُ فَكَيْفَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَا يَجِبُ مَا يَتِمُّ بِهِ (بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ) فَإِنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ بِهَا بِدُونِ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ لَا إلْزَامَ ثُمَّ زِيَادَةً عَلَى مَا تَبَرَّعَ، وَذَلِكَ (لِأَنَّ أَوَانَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ فِيهَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَحِينَئِذٍ لَا يُتَصَوَّرُ الْإِلْزَامُ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ اللُّزُومِ) وَهَذَا مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ الْإِيضَاحِ.
وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَلِأَنَّ هَذَا عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ كَالْوَصِيَّةِ، أَلْحَقَ الْهِبَةَ بِالْوَصِيَّةِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ عَقْدَ الْهِبَةِ لَمَّا كَانَ تَبَرُّعًا كَانَ ضَعِيفًا فِي نَفْسِهِ غَيْرَ لَازِمٍ، وَالْمِلْكُ الثَّابِتُ لِلْوَاهِبِ كَانَ قَوِيًّا فَلَا يَزُولُ بِالسَّبَبِ الضَّعِيفِ حَتَّى يَنْضَمَّ إلَيْهِ مَا يَتَأَيَّدُ بِهِ، وَهُوَ فِي الْهِبَةِ التَّسْلِيمُ وَفِي الْوَصِيَّةِ مَوْتُ الْمُوصِي لِكَوْنِ الْمَوْتِ يُنَافِي الْمَالِكِيَّةَ فَصَحَّ الْإِلْحَاقُ (قَوْلُهُ وَحَقُّ الْوَارِثِ مُتَأَخِّرٌ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْوَارِثُ يَخْلُفُ الْمُوصِيَ فِي مِلْكِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَتَوَقَّفَ مِلْكُ الْمُوصَى لَهُ عَلَى تَسْلِيمِ الْوَارِثِ إلَيْهِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ حَقَّ الْوَارِثِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ فَلَمْ يَكُنْ خَلِيفَةً لَهُ فِيهَا لِيُقَامَ مَقَامَ الْمَيِّتِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِتَسْلِيمِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا وَلَا قَامَ مَقَامَ الْمَالِكِ فِيهَا
(فَإِنْ قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَاهِبِ جَازَ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ قَبَضَ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْوَاهِبُ فِي الْقَبْضِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ فِي الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، لِأَنَّ الْقَبْضَ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْوَاهِبِ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بَاقٍ) بِالِاتِّفَاقِ (وَالتَّصَرُّفَ فِي مِلْكِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute