للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَوْ وَهَبَ مِنْ شَرِيكِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى نَفْسِ الشُّيُوعِ.

قَالَ (وَمَنْ وَهَبَ شِقْصًا مُشَاعًا فَالْهِبَةُ فَاسِدَةٌ) لِمَا ذَكَرْنَا (فَإِنْ قَسَّمَهُ وَسَلَّمَهُ جَازَ)؛ لِأَنَّ تَمَامَهُ بِالْقَبْضِ وَعِنْدَهُ لَا شُيُوعَ. قَالَ: (وَلَوْ وَهَبَ دَقِيقًا فِي حِنْطَةٍ أَوْ دُهْنًا فِي سِمْسِمٍ فَالْهِبَةُ فَاسِدَةٌ، فَإِنْ طَحَنَ وَسَلَّمَ لَمْ يَجُزْ) وَكَذَا السَّمْنُ فِي اللَّبَنِ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ مَعْدُومٌ، وَلِهَذَا لَوْ اسْتَخْرَجَهُ الْغَاصِبُ يَمْلِكُهُ، وَالْمَعْدُومُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْمِلْكِ فَوَقَعَ الْعَقْدُ بَاطِلًا، فَلَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِالتَّجْدِيدِ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْمُشَاعَ مَحَلٌّ لَلتَّمْلِيكِ،

مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، وَلِأَنَّهَا عُقُودُ ضَمَانٍ فَيُنَاسِبُ لُزُومَ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَتْ مِنْ الشَّرِيكِ لَمْ تَلْزَمْ الْقِسْمَةُ، وَمَا جَازَتْ فَالْجَوَابُ سَيَأْتِي، وَالْقَرْضُ تَبَرُّعٌ مِنْ وَجْهٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ، وَعَقْدُ ضَمَانٍ مِنْ وَجْهٍ فَإِنَّ الْمُقْرِضَ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ، فَلِشَبَهِهِ بِالتَّبَرُّعِ شَرَطْنَا الْقَبْضَ فِيهِ، وَلِشَبَهِهِ بِعَقْدِ الضَّمَانِ لَمْ نَشْتَرِطْ فِيهِ الْقِسْمَةَ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ، عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ فِيهِ لَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فَيُرَاعَى عَلَى الْكَمَالِ (وَلَوْ وَهَبَ مِنْ شَرِيكِهِ لَمْ يَجُزْ) وَإِنْ لَمْ يَلْتَزِمْ فِيهِ مُؤْنَةَ الْقِسْمَةِ (لِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى نَفْسِ الشُّيُوعِ) فَإِنَّهُ مَانِعٌ عَنْ كَمَالِ الْقَبْضِ فِيمَا يَجِبُ الْقَبْضُ فِيهِ عَلَى الْكَمَالِ، فَكَأَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَعَلَى ذَلِكَ قِيلَ الْوَجْهُ الثَّانِي غَيْرُ مُتَمَشٍّ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ وَلَا يَكُونُ صَحِيحًا، وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّهُ عِلَّةُ النَّوْعِيَّةِ لِإِثْبَاتِ نَوْعِ الْحُكْمِ، وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ الِاطِّرَادَ فِي كُلِّ شَخْصٍ (وَمَنْ وَهَبَ شِقْصًا مُشَاعًا فَالْهِبَةُ فَاسِدَةٌ) أَيْ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَوْجِيهِ قَوْلِهِ وَلَا تَجُوزُ الْهِبَةُ فِيمَا يُقْسَمُ إلَّا مَحُوزَةً، وَقَوْلُهُ (لِمَا ذَكَرْنَا) إشَارَةٌ إلَى مَا ذُكِرَ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فَكَانَتْ مَعْلُومَةً مِنْ ذَلِكَ، لَكِنْ أَعَادَهَا تَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ (فَإِنْ قَسَمَهُ وَسَلَّمَهُ جَازَ لِأَنَّ تَمَامَهُ بِالْقَبْضِ وَعِنْدَهُ لَا شُيُوعَ) وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الشُّيُوعِ مَا كَانَ عِنْدَ الْقَبْضِ، حَتَّى لَوْ وَهَبَ نِصْفَ دَارِهِ لِرَجُلٍ وَلَمْ يُسَلِّمْ حَتَّى وَهَبَ لَهُ النِّصْفَ الْبَاقِيَ وَسَلَّمَهَا جُمْلَةً جَازَتْ. قَالَ (وَلَوْ وَهَبَ دَقِيقًا فِي حِنْطَةٍ إلَخْ) بَنِي كَلَامَهُ هَاهُنَا عَلَى أَنَّ الْمَحَلَّ إذَا كَانَ مَعْدُومًا حَالَةَ الْعَقْدِ لَمْ يَنْعَقِدْ إلَّا بِالتَّجْدِيدِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُشَاعًا فَإِنَّهُ بَعْدَ الْإِفْرَازِ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّجْدِيدِ، وَذَلِكَ وَاضِحٌ لِصَلَاحِيَّةِ الْمُشَاعِ لِلْمَحَلِّيَّةِ دُونَ الْمَعْدُومِ، وَهَذَا مِمَّا يُرْشِدُك أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ لَا تَجُوزُ هِبَةُ الْمُشَاعِ وَقَوْلُهُ فَالْهِبَةُ فَاسِدَةٌ، وَقَوْلُهُ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْجَوَازِ لِلِاتِّصَالِ هُوَ عَدَمُ إفَادَةِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ، فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ اخْتَارَ قَوْلَ مَنْ ذَهَبَ إلَى عَدَمِ الْجَوَازِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ غَيْرَ جَائِزٍ لَاحْتَاجَ إلَى تَجْدِيدِ الْعَقْدِ عِنْدَ الْإِفْرَازِ فِي الْمُشَاعِ كَمَا فِي الْمَعْدُومِ، وَإِنَّمَا جُعِلَ الرَّهْنُ فِي السِّمْسِمِ وَالدَّقِيقِ وَالْحِنْطَةِ مَعْدُومًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ بِالْفِعْلِ، وَإِنَّمَا يَحْدُثُ بِالْعَصْرِ وَالطَّحْنِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِكَوْنِهِ مَوْجُودًا بِالْقُوَّةِ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>