للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذْ التَّمَكُّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ يَثْبُتُ بِهِ. قَالَ: (فَإِنْ غَصَبَهَا غَاصِبٌ مِنْ يَدِهِ سَقَطَتْ الْأُجْرَةُ)؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْمَحَلِّ إنَّمَا أُقِيمَ مَقَامَ تَسْلِيمِ الْمَنْفَعَةِ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ، فَإِذَا فَاتَ التَّمَكُّنُ فَاتَ التَّسْلِيمُ، وَانْفَسَخَ الْعَقْدُ فَسَقَطَ الْأَجْرُ، وَإِنْ وَجَدَ الْغَصْبَ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ سَقَطَ الْأَجْرُ بِقَدْرِهِ. إذْ الِانْفِسَاخُ فِي بَعْضِهَا. قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا فَلِلْمُؤَجِّرِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِأُجْرَةِ كُلِّ يَوْمٍ)؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً (إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ وَقْتَ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْعَقْدِ)؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّأْجِيلِ (وَكَذَلِكَ إجَارَةُ الْأَرَاضِيِ) لِمَا بَيَّنَّا.

كَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً فِي غَيْرِ بَغْدَادَ إلَى الْكُوفَةِ فَسَلَّمَهَا الْمُؤَجِّرُ وَأَمْسَكَهَا الْمُسْتَأْجِرُ بِبَغْدَادَ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُهُ الْمَسِيرُ فِيهَا إلَى الْكُوفَةِ أَوْ سَلَّمَهَا فَارِغَةً فِيهَا فِي مَكَانِهِ لَكِنْ بِهَا عَرَجٌ فَاحِشٌ يَمْنَعُ الرُّكُوبَ، أَوْ سَلَّمَهَا فَارِغَةً فِيهَا فِي مَكَانِهِ صَحِيحَةً لَا عُذْرَ فِيهَا لَكِنْ مَنَعَهُ السُّلْطَانُ أَوْ غَصَبَهُ غَاصِبٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أَصْلًا لَكِنَّ الْإِجَارَةَ كَانَتْ فَاسِدَةً فَإِنَّ الْأَجْرَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ مَا لَمْ يَسْتَوْفِ الْمَنْفَعَةَ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِهَتِهِ بَلْ لِفَوَاتِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ. فَإِنْ قِيلَ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ سَاكِتٌ عَنْ أَكْثَرِ هَذِهِ الْقُيُودِ فَمَا وَجْهُهُ؟ قُلْت: وَجْهُهُ الِاقْتِصَارُ لِلِاخْتِصَارِ اعْتِمَادًا عَلَى دَلَالَةِ الْحَالِ وَالْعُرْفِ، فَإِنَّ حَالَ الْمُسْلِمِ دَالَّةٌ عَلَى أَنْ يُبَاشِرَ الْعَقْدَ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدُ مِنْهُ يَمْنَعُهُ عَنْ الْإِقْدَامِ عَلَى الِانْتِفَاعِ، وَعَلَى أَنَّ الْعَاقِدَ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ مَا عَقَدَ عَلَيْهِ فَارِغًا عَمَّا يَمْنَعُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَالْعُرْفُ فَاشٍ فِي تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي مُدَّةِ الْعَقْدِ وَمَكَانِهِ فَكَانَ مَعْلُومًا عَادَةً، وَعَلَى أَنَّ الْإِكْرَاهَ وَالْغَصْبَ مِمَّا يَمْتَنِعَانِ عَنْ الِانْتِفَاعِ فَاقْتَصَرَ عَنْ ذِكْرِ ذَلِكَ اعْتِمَادًا عَلَيْهِمَا، وَوُجُودُ الْمَانِعِ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ وَالْمَكَانُ يُسْقِطُ الْأَجْرَ بِقَدْرِهِ لِوُجُوبِ الِانْفِسَاخِ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ. قَالَ (مَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا) ذَكَرَ هَذَا لِبَيَانِ وَقْتِ اسْتِحْقَاقِ مُطَالَبَةِ الْأَجْرِ وَالْحَالُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ وَقْتُ الِاسْتِحْقَاقِ مُبَيَّنًا بِالْعَقْدِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ إلَّا إذَا تَحَقَّقَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ شَهْرًا كَانَ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّأْجِيلِ، إذْ الِاسْتِحْقَاقُ يَتَحَقَّقُ عِنْدَ اسْتِيفَاءِ جُزْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ، وَالتَّأْجِيلُ يُسْقِطُ اسْتِحْقَاقَ الْمُطَالَبَةِ إلَى انْتِهَاءِ الْأَجَلِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلِلْمُؤَجِّرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>