للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّ الْمَنَافِعَ بِمَنْزِلَةِ الْأَعْيَانِ حَتَّى جَازَتْ الْإِجَارَةُ بِأُجْرَةِ دَيْنٍ وَلَا يَصِيرُ دَيْنًا بِدَيْنٍ، وَلَنَا أَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ عِنْدَنَا فَصَارَ كَبَيْعِ الْقُوهِيِّ بِالْقُوهِيِّ نَسِيئَةً وَإِلَى هَذَا أَشَارَ مُحَمَّدٌ،

لِأَنَّ الْمَنَافِعَ بِمَنْزِلَةِ الْأَعْيَانِ وَلِهَذَا جَازَتْ الْإِجَارَةُ بِدَيْنٍ) أَيْ بِأُجْرَةٍ هِيَ دَيْنٌ عَلَى الْمُؤَجِّرِ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْمَنَافِعُ بِمَنْزِلَةِ الْأَعْيَانِ لَكَانَ ذَلِكَ دَيْنًا بِدَيْنٍ (وَلَنَا) فِي ذَلِكَ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا (أَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ عِنْدَنَا فَصَارَ كَبَيْعِ الْقُوهِيِّ بِالْقُوهِيِّ نَسِيئَةً) وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ أَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ، وَمَعْنَى الْقُوهِيِّ تَقَدَّمَ فِي الْبُيُوعِ (وَإِلَى هَذَا) أَيْ إلَى هَذَا الطَّرِيقِ (أَشَارَ مُحَمَّدٌ) وَهُوَ مَا رُوِيَ: أَنَّ ابْنَ سِمَاعَةَ كَتَبَ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَكَتَبَ فِي جَوَابِهِ، إنَّك أَطَلْت الْفِكْرَةَ فَأَصَابَتْك الْحَيْرَةُ، وَجَالَسْت الْحِنَّائِيَّ فَكَانَتْ مِنْك زَلَّةٌ، أَمَا عَلِمْت أَنَّ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى كَبَيْعِ الْقُوهِيِّ بِالْقُوهِيِّ نَسَاءً. وَالْحِنَّائِيُّ اسْمٌ مُحْدَثٌ كَانَ يُنْكِرُ الْخَوْضَ عَلَى ابْنِ سِمَاعَةَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَيَقُولُ: لَا بُرْهَانَ لَكُمْ عَلَيْهَا. وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّ النَّسَاءَ مَا يَكُونُ عَنْ اشْتِرَاطِ أَجَلٍ فِي الْعَقْدِ وَتَأْخِيرُ الْمَنْفَعَةِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ.

وَالثَّانِي أَنَّ النَّسَاءَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي مُبَادَلَةِ مَوْجُودٍ فِي الْحَالِ بِمَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ بَلْ يَحْدُثَانِ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُمَا لَمَّا أَقْدَمَا عَلَى عَقْدٍ يَتَأَخَّرُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِيهِ وَيَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا كَانَ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي وُجُوبِ التَّأْخِيرِ مِنْ الْمَشْرُوطِ فَأُلْحِقَ بِهِ دَلَالَةً احْتِيَاطًا عَنْ شُبْهَةِ الْحُرْمَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ فِي النَّسَاءِ شُبْهَةَ الْحُرْمَةِ، فَبِالْإِلْحَاقِ بِهِ تَكُونُ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَلَيْسَتْ بِمُحَرَّمَةٍ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ الثَّابِتَ بِالدَّلَالَةِ كَالثَّابِتِ بِالْعِبَارَةِ، فَبِالْإِلْحَاقِ تَثْبُتُ الشُّبْهَةُ لَا شُبْهَتُهَا. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الَّذِي لَمْ تَصْحَبْهُ الْبَاءُ يُقَامُ فِيهِ الْعَيْنُ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ ضَرُورَةَ تَحَقُّقِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ دُونَ مَا تَصْحَبُهُ لِفِقْدَانِهَا فِيهِ وَلَزِمَ وُجُودُ أَحَدِهِمَا حُكْمًا وَعَدَمُ الْآخَرِ وَتَحَقُّقُ النَّسَاءِ، وَيَجُوزُ أَنْ نَسْلُكَ طَرِيقًا آخَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>