وَلِهَذَا وَجَبَ الْقَضَاءُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكْفُرُ جَاحِدُهُ لِأَنَّ وُجُوبَهُ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ وَهُوَ الْمَعْنِيُّ بِمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَهُوَ يُؤَدَّى فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ فَاكْتَفَى بِأَذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ.
قَالَ (الْوِتْرُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ لَا يُفْصَلُ بَيْنهنَّ بِسَلَامٍ) لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ ﵂ «أَنَّ النَّبِيَّ ﵊ كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ»
قَوْلُهُ: (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ الْوِتْرِ وَاجِبًا (وَجَبَ الْقَضَاءُ بِالْإِجْمَاعِ) فَإِنَّ السُّنَنَ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا بِالْإِجْمَاعِ: قِيلَ الْمُرَادُ بِالْإِجْمَاعِ إجْمَاعُ أَصْحَابِنَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، فَإِنَّهُ نُقِلَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُقْضَى خَارِجَ الْوَقْتِ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُقْضَى. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْإِجْمَاعِ إجْمَاعُ السَّلَفِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِطَرِيقِ الْآحَادِ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا لَمْ يَكْفُرْ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا حَيْثُ لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْجَاحِدَ إنَّمَا يَكْفُرُ إذَا كَانَ الدَّلِيلُ قَطْعِيًّا وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ (لِأَنَّ وُجُوبَهُ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ) يَعْنِي غَيْرَ الْمُتَوَاتِرِ وَالْمَشْهُورِ، وَكَلَامُهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ وُجُوبَهُ لَوْ ثَبَتَ بِغَيْرِ السُّنَّةِ كَفَرَ جَاحِدُهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ فَرْضًا لَا وَاجِبًا. وَفِي الْجُمْلَةِ كَلَامُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَا يَخْلُو عَنْ تَسَامُحٍ وَلِكُلِّ جَوَادٍ كَبْوَةٌ.
وَقَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ كَوْنُ وُجُوبِهِ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ هُوَ (الْمَعْنِيُّ بِمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ سُنَّةٌ) وَقَوْلُهُ: (وَهُوَ يُؤَدَّى فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ فَاكْتَفَى بِأَذَانِهِ) أَيْ أَذَانِ الْعِشَاءِ (وَإِقَامَتِهِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَلَا يُؤَذَّنُ لَهُ وَقَدْ عَلِمْت مَا وَرَدَ عَلَيْهِ.
قَالَ (الْوِتْرُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ) الْوِتْرُ عِنْدَنَا ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ (لَا يُفْصَلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي قَوْلٍ يُوتِرُ بِتَسْلِيمَتَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ لِقَوْلِهِ ﵊ «إنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ» وَلَنَا مَا رَوَتْ عَائِشَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute