للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ أَبْيَضَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ لَا يُجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى. وَذَكَرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: يُضَمِّنُهُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَصْبِ.

(وَإِنْ قَالَ: صَاحِبُ الثَّوْبِ عَمِلْته لِي بِغَيْرِ أَجْرٍ وَقَالَ الصَّانِعُ بِأَجْرٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ تَقَوُّمَ عَمَلِهِ إذْ هُوَ يَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ وَيُنْكِرُ الضَّمَانَ وَالصَّانِعُ يَدِّعِيهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ كَانَ الرَّجُلُ حِرِّيفًا لَهُ) أَيْ خَلِيطًا لَهُ (فَلَهُ الْأَجْرُ وَإِلَّا فَلَا)؛ لِأَنَّ سَبْقَ مَا بَيْنَهُمَا يُعَيِّنُ جِهَةَ الطَّلَبِ بِأَجْرٍ جَرْيًا عَلَى مُعْتَادِهِمَا (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ كَانَ الصَّانِعُ مَعْرُوفًا بِهَذِهِ الصَّنْعَةِ بِالْأَجْرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ)؛ لِأَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ الْحَانُوتَ لِأَجْلِهِ جَرَى ذَلِكَ مَجْرَى التَّنْصِيصِ عَلَى الْأَجْرِ اعْتِبَارًا لِلظَّاهِرِ، وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ. وَالْجَوَابُ عَنْ اسْتِحْسَانِهِمَا أَنَّ الظَّاهِرَ لِلدَّفْعِ، وَالْحَاجَةُ هَاهُنَا إلَى الِاسْتِحْقَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى كَمَا مَرَّ قُبَيْلَ بَابِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ فِي قَوْلِهِ وَمَنْ دَفَعَ إلَى خَيَّاطٍ ثَوْبًا لِيَخِيطَهُ قَمِيصًا بِدِرْهَمِ فَخَاطَهُ قَبَاءً. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هُنَاكَ اتَّفَقَ الْمُتَعَاقِدَانِ عَلَى الْمَأْمُورِ بِهِ وَالْأَجِيرُ خَالَفَ وَهَاهُنَا قَدْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ فَكَيْفَ تَكُونُ هَذِهِ مِثْلَ تِلْكَ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا مِثْلُهَا انْتِهَاءً لَا ابْتِدَاءً، لِأَنَّهُ ذَكَرَ هَذَا الْحُكْمَ هُنَا بَعْدَ يَمِينِ صَاحِبِ الثَّوْبِ، وَلَمَّا حَلَفَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَلَمْ يَبْقَ لِخِلَافِ الْآخَرِ اعْتِبَارٌ فَكَانَتَا فِي الْحُكْمِ فِي الِانْتِهَاءِ سَوَاءً. وَذُكِرَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ يَضْمَنُهُ: أَيْ يَضْمَنُ صَاحِبُ الثَّوْبِ لِلصَّبَّاغِ قِيمَةَ زِيَادَةِ الصَّبْغِ، فَالْأَوْلَى أَعْنِي قَوْلَهُ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَالثَّانِيَةُ أَعْنِي قَوْلَهُ يَضْمَنُهُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ. وَجْهُ الظَّاهِرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ الصَّبْغَ آلَةٌ لِلْعَمَلِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَى الصَّبَّاغِ بِمَنْزِلَةِ الْحَرَضِ وَالصَّابُونِ فِي عَمَلِ الْغَسَّالِ، فَلَا يَصِيرُ صَاحِبُ الثَّوْبِ مُشْتَرِيًا لِلصَّبْغِ حَتَّى تُعْتَبَرَ الْقِيمَةُ عِنْدَ فَسَادِ السَّبَبِ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الصَّبَّاغَ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ وَالْحُكْمُ فِي الْغَصْبِ كَذَلِكَ.

وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الْأُجْرَةِ فَقَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ عَمِلْته لِي بِغَيْرِ أَجْرٍ وَقَالَ الصَّانِعُ بِأَجْرٍ فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ تَقَوُّمَ عَمَلِهِ، لِأَنَّهُ تَقَوُّمَهُ بِالْعَقْدِ وَيُنْكِرُ الضَّمَانَ وَالصَّانِعُ يَدَّعِيهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ كَانَ الرَّجُلُ حَرِيفًا لَهُ: أَيْ خَلِيطًا لَهُ وَذَلِكَ بِأَنْ تَكَرَّرَتْ تِلْكَ الْمُعَامَلَةَ بَيْنَهُمَا بِأَجْرٍ فَلَهُ الْأَجْرُ وَإِلَّا فَلَا، لِأَنَّ سَبْقَ مَا بَيْنَهُمَا بِأَجْرٍ يُعِينُ جِهَةَ الطَّلَبِ بِأَجْرٍ جَرْيًا عَلَى مُعْتَادِهِمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ كَانَ الصَّانِعُ مَعْرُوفًا بِهَذِهِ الصَّنْعَةِ بِالْأُجْرَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، لِأَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ الْحَانُوتَ لِأَجْلِهِ جَرَى ذَلِكَ مَجْرَى التَّنْصِيصِ عَلَى الْأَجْرِ اعْتِبَارًا لِلظَّاهِرِ، وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَمَا ذَكَرَاهُ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الظَّاهِرَ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ وَالْحَاجَةُ هَاهُنَا لِلِاسْتِحْقَاقِ لَا لِلدَّفْعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>