قَالَ (وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمَالَ حَالًّا وَيَجُوزُ مُؤَجَّلًا وَمُنَجَّمًا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: لَا يَجُوزُ حَالًّا وَلَا بُدَّ مِنْ نَجْمَيْنِ، لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ التَّسْلِيمِ فِي زَمَانٍ قَلِيلٍ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ قَبْلَهُ لِلرِّقِّ، بِخِلَافِ السَّلَمِ عَلَى أَصْلِهِ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْمِلْكِ فَكَانَ احْتِمَالُ الْقُدْرَةِ ثَابِتًا، وَقَدْ دَلَّ الْإِقْدَامُ عَلَى الْعَقْدِ عَلَيْهَا فَيَثْبُتُ. وَلَنَا ظَاهِرُ مَا تَلَوْنَا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ التَّنْجِيمِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَالْبَدَلُ مَعْقُودٌ بِهِ فَأَشْبَهَ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ السَّلَمِ عَلَى أَصْلِنَا لِأَنَّ الْمُسَلَّمَ فِيهِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ مَبْنَى الْكِتَابَةِ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ فَيُمْهِلُهُ الْمَوْلَى ظَاهِرًا، بِخِلَافِ السَّلَمِ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُضَايَقَةِ وَفِي الْحَالِ كَمَا امْتَنَعَ مِنْ الْأَدَاءِ يُرَدُّ إلَى الرِّقِّ.
الْقُرْآنَ مُوجِبًا بَلْ نَقُولُ: الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ عَنْ قَرِينَةِ غَيْرِ الْوُجُوبِ لِلْوُجُوبِ، وَقَوْلُهُ ﴿فَكَاتِبُوهُمْ﴾ قَرِينَةٌ لِذَلِكَ.
قَالَ (وَيَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ الْمَالُ حَالًّا) بَدَلُ الْكِتَابَةِ يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ كَوْنُهُ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا غَيْرَ مُنَجَّمٍ وَمُنَجَّمًا عِنْدَنَا (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بُدَّ مِنْ نَجْمَيْنِ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ التَّسْلِيمِ فِي قَلِيلٍ مِنْ الزَّمَانِ) لِخُرُوجِهِ مِنْ يَدِ مَوْلَاهُ مُفْلِسًا وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ الْعَقْدِ أَهْلًا لِمِلْكِ الْمَالِ، وَالْعَاجِزُ عَنْ التَّسْلِيمِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَجَلٍ يَقْدِرُ بِهِ عَلَى تَسْلِيمِ الْيَدِ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُسْلَمُ إلَيْهِ عَاجِزٌ عَنْ التَّسْلِيمِ لِأَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ لَمَا رَضِيَ بِأَخَسِّ الْبَدَلَيْنِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَجَلٍ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (بِخِلَافِ السَّلَمِ عَلَى أَصْلِهِ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْمِلْكِ قَبْلَ الْعَقْدِ لِكَوْنِهِ حُرًّا فَكَانَ احْتِمَالُ الْقُدْرَةِ ثَابِتًا، وَقَدْ دَلَّ الْإِقْدَامُ عَلَى الْعَقْدِ عَلَيْهَا فَيَثْبُتُ) وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: احْتِمَالُ الْقُدْرَةِ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ أَثْبَتُ، لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ مَأْمُورُونَ بِإِعَانَتِهِ، وَالطُّرُقُ مُتَّسِعَةٌ اسْتِدَانَةٌ وَاسْتِقْرَاضٌ وَاسْتِيهَابٌ وَاسْتِعَانَةٌ بِالزَّكَوَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْعُشُورِ وَالصَّدَقَاتِ، وَقَدْ دَلَّ الْإِقْدَامُ عَلَى الْعَقْدِ عَلَيْهَا فَتَثْبُتُ. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى ﴿فَكَاتِبُوهُمْ﴾ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ التَّنْجِيمِ، (وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ) وَهُوَ يَعْتَمِدُ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَالْمَعْقُودُ بِهِ وَوُجُودُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ «ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ»، وَوُجُودُ الْمَعْقُودِ بِهِ لَيْسَ كَذَلِكَ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ ابْتِيَاعِ مَنْ لَا يَمْلِكُ الثَّمَنَ (وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ لَا مَحَالَةَ فَأَشْبَهَ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ) وَالْقُدْرَةُ عَلَيْهِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فَكَذَا عَلَى الْبَدَلِ، وَالْمُسْلَمُ فِيهِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ وَوُجُودُهُ شَرْطٌ فَأَشْبَهَ الْمَبِيعَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ كَمَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا، وَكَذَا ذَكَرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ مُسْتَوْفًى، وَلِأَنَّ مَبْنَى الْكِتَابَةِ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَكَرُّمٍ إذْ الْعَبْدُ وَمَا يَمْلِكُهُ لِمَوْلَاهُ، فَالظَّاهِرُ مِنْ مَوْلَاهُ أَنْ يُمْهِلَهُ، فَإِنْ لَمْ يُمْهِلْهُ وَطَالَبَهُ بِالْأَدَاءِ وَامْتَنَعَ عَنْهُ يُرَدُّ رَقِيقًا بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي (بِخِلَافِ السَّلَمِ فَإِنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُضَايَقَةِ) فَلَيْسَ الْإِمْهَالُ فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute