وَمُرَادُهُ شَيْءٍ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، حَتَّى لَوْ قَالَ كَاتَبْتُك عَلَى هَذِهِ الْأَلْفِ الدَّرَاهِمِ وَهِيَ لِغَيْرِهِ جَازَ لِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ فَيَتَعَلَّقُ بِدَرَاهِمِ دَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ فَيَجُوزُ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵁ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّهُ يَجُوزُ، حَتَّى إذَا مَلَكَهُ وَسَلَّمَهُ يُعْتَقُ، وَإِنْ عَجَزَ يُرَدُّ فِي الرِّقِّ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَالٌ وَالْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ مَوْهُومٌ فَأَشْبَهَ الصَّدَاقَ. قُلْنَا: إنَّ الْعَيْنَ فِي الْمُعَاوَضَاتِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ إذَا كَانَ الْعَقْدُ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ كَمَا فِي الْبَيْعِ، بِخِلَافِ الصَّدَاقِ فِي النِّكَاحِ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالنِّكَاحِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، فَعَلَى مَا هُوَ تَابِعٌ فِيهِ أَوْلَى.
فَلَوْ أَجَازَ صَاحِبُ الْعَيْنِ ذَلِكَ فَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ فَالْكِتَابَةُ أَوْلَى. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِحَالِ عَدَمِ الْإِجَازَةِ عَلَى مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ، وَالْجَامِعُ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ مِلْكَ الْمَكَاسِبِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْأَدَاءِ مِنْهَا
وَلَا حَاجَةَ فِيمَا إذَا كَانَ الْبَدَلُ عَيْنًا مُعَيَّنًا، وَالْمَسْأَلَةُ فِيهِ
وَهِيَ لِغَيْرِهِ جَازَ لِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ فَتُعَلَّقُ بِدَرَاهِمَ فِي الذِّمَّةِ، وَإِنْ تَعَيَّنَ بِهِ وَلَمْ يُجِزْهُ وَلَمْ يَمْلِكْهُ لَمْ تَجُزْ الْكِتَابَةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ، حَتَّى إذَا مَلَكَهُ وَسَلَّمَهُ عَتَقَ، وَإِنْ عَجَزَ يُرَدُّ رَقِيقًا لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَالٌ وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ مَوْهُومٌ، فَأَشْبَهَ مَا إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَبْدِ غَيْرِهِ فَإِنَّ التَّسْمِيَةَ صَحِيحَةٌ، حَتَّى لَوْ لَمْ يُجِزْ الْمَالِكُ رَجَعَتْ عَلَى الزَّوْجِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ لَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَلَوْ فَسَدَتْ لَرَجَعَتْ بِهِ، وَالْجَامِعُ كَوْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِوَضُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ.
وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْعَيْنَ فِي الْمُعَاوَضَاتِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ، وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ شَرْطُ الصِّحَّةِ إذَا كَانَ الْعَقْدُ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ كَمَا فِي الْبَيْعِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ لِبَدَلِ الْكِتَابَةِ حُكْمَ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ حَتَّى كَانَ ذَلِكَ مَبْنَى جَوَازِ الْكِتَابَةِ الْحَالَةِ وَالثَّمَنُ مَعْقُودٌ بِهِ لَا مَعْقُودٌ عَلَيْهِ فَلَا تَكُونُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ شَرْطًا. فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ مِنْ النُّقُودِ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهَا وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْعَيْنِ فَيَصِيرُ عَقْدُ الْكِتَابَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُقَايَضَةِ فَيَصِيرُ لِلْبَدَلِ حُكْمُ الْمَبِيعِ فَيُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الصَّدَاقِ فِي النِّكَاحِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ فَأَشْبَهَ الصَّدَاقَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالنِّكَاحِ وَهُوَ التَّوَالُدُ وَالتَّنَاسُلُ.
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: مَنَافِعُ الْبُضْعِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِ نِكَاحِ الرَّضِيعَةِ، فَعَلَى مَا هُوَ تَابِعٌ وَهُوَ الصَّدَاقُ أَوْلَى. وَهَذَا الْجَوَابُ عَلَى طَرِيقَةِ تَخْصِيصِ الْعِلَلِ وَتَخَلُّصِهِ مَعْلُومٌ (وَإِنْ أَجَازَ صَاحِبُ الْعَيْنِ ذَلِكَ فَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَجُوزُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ فَإِنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِمَالِ الْغَيْرِ فَأَجَازَ صَاحِبُ الْمَالِ جَازَ فَالْكِتَابَةُ أَوْلَى، مَبْنَاهَا عَلَى الْمُسَامَحَةِ، وَقِيلَ لِأَنَّهَا لَا تَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ)، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَصَارَ صَاحِبُ الْمَالِ مُقْرِضًا الْمَالَ مِنْ الْعَبْدِ فَتَصِيرُ الْعَيْنُ مِنْ أَكْسَابِهِ (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِحَالِ عَدَمِ الْإِجَازَةِ عَلَى مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ) أَيْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَشَارَ بِهِ إلَى قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ إنْ كَاتَبَهُ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لِغَيْرِهِ (وَالْجَامِعُ) بَيْنَ مَا أَجَازَهُ الْمَالِكُ وَبَيْنَ مَا لَمْ يُجِزْهُ (أَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ) فِيمَا نَحْنُ فِيهِ (لَا يُفِيدُ مِلْكَ الْمَكَاسِبِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْكِتَابَةِ، لِأَنَّهُ) أَيْ مِلْكَ الْمَكَاسِبِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: لِأَنَّهَا أَيْ الْمَكَاسِبَ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ (يَثْبُتُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْأَدَاءِ مِنْهَا، وَلَا حَاجَةَ إلَى الْأَدَاءِ مِنْهَا فِيمَا إذَا كَانَ الْبَدَلُ عَيْنًا مُعَيَّنَةً لِغَيْرِهِ، وَالْمَسْأَلَةُ فِيهِ) أَيْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute