للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَلْتَزِمُ الْمَالَ بِمُقَابَلَةِ مَا يَسْتَحِقُّ حُرِّيَّتَهُ وَصَارَ كَمَا إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا عَلَى أَلْفٍ كَانَ جَمِيعُ الْأَلْفِ بِمُقَابَلَةِ الْوَاحِدَةِ الْبَاقِيَةِ لِدَلَالَةِ الْإِرَادَةِ، كَذَا هَاهُنَا، بِخِلَافِ مَا إذَا تَقَدَّمَتْ الْكِتَابَةُ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَلِيهِ لِأَنَّ الْبَدَلَ مُقَابَلٌ بِالْكُلِّ إذْ لَا اسْتِحْقَاقَ عِنْدَهُ فِي شَيْءٍ فَافْتَرَقَا قَالَ (وَإِنْ دَبَّرَ مُكَاتَبَتَهُ صَحَّ التَّدْبِيرُ) لِمَا بَيَّنَّا.

(وَلَهَا الْخِيَارُ، إنْ شَاءَتْ مَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ، وَإِنْ شَاءَتْ عَجَّزَتْ نَفْسَهَا وَصَارَتْ مُدَبَّرَةً) لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ فِي جَانِبِ الْمَمْلُوكِ، فَإِنْ مَضَتْ عَلَى كِتَابَتِهَا فَمَاتَ الْمَوْلَى وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا فَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ سَعَتْ فِي ثُلُثَيْ مَالِ الْكِتَابَةِ أَوْ ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: تَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْهُمَا، فَالْخِلَافُ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي الْخِيَارِ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا. أَمَّا الْمِقْدَارُ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَوَجْهُهُ مَا بَيَّنَّا.

قَالَ (وَإِذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى مُكَاتَبَهُ عَتَقَ بِإِعْتَاقِهِ) لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِيهِ (وَسَقَطَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ) لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَهُ إلَّا مُقَابَلًا بِالْعِتْقِ وَقَدْ حَصَلَ لَهُ دُونَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ،

اسْتَحَقَّتْ حُرِّيَّةَ كُلِّهَا، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ غَيْرَهَا فَقَدْ اسْتَحَقَّتْ حُرِّيَّةَ ثُلُثِهَا فَاسْتِحْقَاقُ الثُّلُثِ ثَابِتٌ قَطْعًا (وَالظَّاهِرُ) الْبَيِّنُ (أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَلْتَزِمُ الْمَالَ بِمُقَابَلَةِ مَا يَسْتَحِقُّ حُرِّيَّتَهُ) فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْبَدَلِ بِمُقَابَلَةِ ثُلُثَيْ رَقَبَتِهَا فَلَا يَسْقُطُ مِنْهُ شَيْءٌ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا عَتَقَ الْجَمِيعُ إذَا أَدَّتْ كُلَّ الْبَدَلِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الثُّلُثَيْنِ لَا الْكُلِّ.

وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ بِتَجَزُّؤِ الْإِعْتَاقِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْجَوَابُ مَا مَرَّ أَنَّا حَكَمْنَا بِصِحَّةِ الْكِتَابَةِ نَظَرًا لِلْمُدَبَّرِ، وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ أَنْ يَبْقَى بَعْضُهُ غَيْرَ حُرٍّ وَيَغْرَمُ كُلَّ الْبَدَلِ، فَاعْتَبَرْنَا الْمُقَابَلَةَ الصُّورِيَّةَ قَبْلَ مَوْتِ الْمَوْلَى نَظَرًا لَهُ (قَوْلُهُ إذْ لَا اسْتِحْقَاقَ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ فَيَكُونُ الْبَدَلُ فِي مُقَابَلَةِ الْكُلِّ، فَإِذَا عَتَقَ بَعْضُ الرَّقَبَةِ بَعْدَ ذَلِكَ بِالتَّدْبِيرِ سَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ (وَإِنْ دَبَّرَ مُكَاتَبَتَهُ صَحَّ التَّدْبِيرُ لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّهُ تَلَقَّتْهَا جِهَتَا حُرِّيَّةٍ (وَلَهَا الْخِيَارُ، إنْ شَاءَتْ مَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ، وَإِنْ شَاءَتْ عَجَّزَتْ نَفْسَهَا وَصَارَتْ مُدَبَّرَةً، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ فِي جَانِبِ الْمَمْلُوكِ) لِأَنَّ النَّفَقَةَ وَالْجِنَايَةَ عَلَى الْمُكَاتَبِ فِي حَالِ الْكِتَابَةِ، وَإِذَا عَجَّزَ نَفْسَهُ كَانَ كُلُّ ذَلِكَ عَلَى الْمَوْلَى فَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ (فَإِنْ مَضَتْ عَلَى كِتَابَتِهَا فَمَاتَ الْمَوْلَى وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا تَخَيَّرَتْ بَيْنَ السَّعْيِ فِي ثُلُثَيْ مَالِ الْكِتَابَةِ وَثُلُثَيْ قِيمَتِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا فِي الْأَقَلِّ مِنْهُمَا، فَاخْتَلَفُوا هَاهُنَا فِي الْخِيَارِ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا) مِنْ تَجَزُّؤِ الْإِعْتَاقِ (وَأَمَّا الْمِقْدَارُ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) وَمُحَمَّدٌ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى فَرْقٍ، وَالْفَرْقُ لَهُمَا بَيْنَ هَذِهِ وَمَا تَقَدَّمَتْ مَا بَيَّنَّا أَنَّ الْبَدَلَ هَاهُنَا مُقَابَلٌ بِالْكُلِّ إلَخْ.

قَالَ (وَإِذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى مُكَاتَبَهُ إلَخْ) وَإِذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى عَتَقَ بِإِعْتَاقِهِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ وَسَقَطَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا كَانَ وَسِيلَةً إلَى تَحَصُّلِ شَيْءٍ وَحَصَلَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى سَقَطَ الْوَسِيلَةُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>