قَالَ (وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ الْغَائِبَ بِشَيْءٍ) لِمَا بَيَّنَّا (فَإِنْ قَبِلَ الْعَبْدُ الْغَائِبُ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْهُ بِشَيْءٍ، وَالْكِتَابَةُ لَازِمَةٌ لِلشَّاهِدِ) لِأَنَّ الْكِتَابَةَ نَافِذَةٌ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ قَبُولِ الْغَائِبِ فَلَا تَتَغَيَّرُ بِقَبُولِهِ، كَمَنْ كَفَلَ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَبَلَغَهُ فَأَجَازَهُ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ، حَتَّى لَوْ أَدَّى لَا يُرْجَعُ عَلَيْهِ، كَذَا هَذَا.
قَالَ (وَإِذَا كَاتَبَتْ الْأَمَةُ عَنْ نَفْسِهَا وَعَنْ ابْنَيْنِ لَهَا صَغِيرَيْنِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَأَيُّهُمْ أَدَّى لَمْ يَرْجِعْ عَلَى صَاحِبِهِ وَيُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ وَيُعْتَقُونَ) لِأَنَّهَا جَعَلَتْ نَفْسَهَا أَصْلًا فِي الْكِتَابَةِ وَأَوْلَادَهَا تَبَعًا عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهِيَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ.
أَدَّى فَكَيْفَ قَالَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ كَهُوَ فِي حَقِّ جَوَازِ الْأَدَاءِ مِنْ غَيْرِ دَيْنٍ عَلَيْهِ لَا فِي الِاضْطِرَارِ، فَإِنَّ الِاضْطِرَارَ إنَّمَا هُوَ إذَا فَاتَ لَهُ شَيْءٌ حَاصِلٌ وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ إنَّمَا هُوَ بِعَرْضِيَّةِ أَنْ تَحْصُلَ لَهُ الْحُرِّيَّةُ، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ عَدَمُ الرِّبْحِ لَا يُسَمَّى خُسْرَانًا. فَإِنْ قِيلَ: حَقُّ الْحُرِّيَّةِ حَاصِلٌ بِالْكِتَابَةِ وَرُبَّمَا فَاتَهُ لَوْ لَمْ يُؤَدِّ فَكَانَ مُضْطَرًّا. أُجِيبَ بِأَنَّهُ مُتَوَهَّمٌ، وَحَقُّ الرُّجُوعِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فَلَا يَثْبُتُ بِهِ (وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ الْغَائِبَ بِشَيْءٍ لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّهُ فِيهِ تَبَعٌ (فَإِنْ قَبِلَ الْعَبْدُ الْغَائِبُ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْهُ بِشَيْءٍ وَالْكِتَابَةُ لَازِمَةٌ لِلشَّاهِدِ) وَإِنْ رَدَّهُ الْغَائِبُ لَا أَثَرَ لِرَدِّهِ وَقَبُولِهِ فِي ذَلِكَ (لِأَنَّ الْكِتَابَةَ نَافِذَةٌ عَلَى الْحَاضِرِ مِنْ غَيْرِ قَبُولِ الْغَائِبِ فَلَا تَتَغَيَّرُ بِقَبُولِهِ) فَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَهُ بِشَيْءٍ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ (كَمَنْ كَفَلَ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَبَلَغَهُ فَأَجَازَهُ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ حَتَّى لَوْ أَدَّى لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ، كَذَا هَذَا).
(وَإِذَا قَبِلَتْ الْأَمَةُ الْكِتَابَةَ عَنْ نَفْسِهَا وَعَنْ ابْنَيْنِ لَهَا صَغِيرَيْنِ جَازَ) وَإِنَّمَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْأَمَةِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ سَوَاءٌ، فَإِنَّهُ لَوْ وَضَعَهَا فِي الْعَبْدِ لَرُبَّمَا تَوَهَّمَ أَنَّ الْجَوَازَ لِثُبُوتِ وِلَايَةِ الْأَبِ عَلَيْهِمَا فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْأَمَةِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهَا، إذْ الْأُمُّ الْحُرَّةُ لَا وِلَايَةَ لَهَا فَكَيْفَ بِالْأَمَةِ؟ (وَأَيُّهُمْ أَدَّى لَمْ يَرْجِعْ عَلَى صَاحِبِهِ، وَيُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ وَيُعْتَقُونَ لِأَنَّهَا جَعَلَتْ نَفْسَهَا أَصْلًا فِي الْكِتَابَةِ وَأَوْلَادُهَا تَبَعًا عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى) وَذَلِكَ أَنَّ الْأُمَّ إذَا أَدَّتْ فَقَدْ أَدَّتْ دَيْنًا عَلَى نَفْسِهَا، وَكُلٌّ مِنْ الْوَلَدَيْنِ إنْ أَدَّى فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ غَيْرُ مُضْطَرٍّ، وَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ لَا رُجُوعَ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا أَدَّى أَحَدُهُمَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْتَقَ الِابْنُ الْآخَرُ لِأَنَّهُ لَا أَصَالَةَ بَيْنَهُمَا وَلَا تَبَعِيَّةَ. فَالْجَوَابُ أَنَّ أَحَدَهُمَا إذَا أَدَّى كَانَ أَدَاؤُهُ كَأَدَاءِ الْأُمِّ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَوْ أَدَّتْ الْأُمُّ عَتَقُوا، فَكَذَا إذَا أَدَّى أَحَدُهُمَا. قِيلَ وَهَذِهِ فَائِدَةُ وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ فِي صَغِيرَيْنِ دُونَ صَغِيرٍ وَاحِدٍ لِيُعْلَمَ هَذَا الْمَعْنَى (قَوْلُهُ وَهِيَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ) يُرِيدُ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَجُوزُ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ، فَلَأَنْ يَجُوزَ فِي حَقِّ وَلَدِهَا لِأَنَّ وَلَدَهَا أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْ الْأَجْنَبِيِّ أَوْلَى. وَأَقُولُ: لَعَلَّهُ إشَارَةٌ إلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّ ثُبُوتَ الْجَوَازِ هَهُنَا قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ لِأَنَّ الْوَلَدَ تَابِعٌ لَهَا بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ. وَأَرَى أَنَّهُ الْحَقُّ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute