لِأَنَّهُ لَمَّا أُبِيحَ كَانَ بِالِامْتِنَاعِ عَنْهُ مُعَاوِنًا لِغَيْرِهِ عَلَى هَلَاكِ نَفْسِهِ فَيَأْثَمُ كَمَا فِي حَالَةِ الْمَخْمَصَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ إذْ الْحُرْمَةُ قَائِمَةٌ فَكَانَ آخِذًا بِالْعَزِيمَةِ. قُلْنَا: حَالَةُ الِاضْطِرَارِ مُسْتَثْنَاةٌ بِالنَّصِّ وَهُوَ تَكَلُّمٌ بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الثُّنْيَا فَلَا مُحَرَّمَ فَكَانَ إبَاحَةً لَا رُخْصَةً إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا يَأْثَمُ إذَا عَلِمَ بِالْإِبَاحَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، لِأَنَّ فِي انْكِشَافِ الْحُرْمَةِ خَفَاءٌ فَيُعْذَرُ بِالْجَهْلِ فِيهِ كَالْجَهْلِ بِالْخِطَابِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ. .
قَالَ (وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ أَوْ سَبِّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِقَيْدٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إكْرَاهًا حَتَّى يُكْرَهَ بِأَمْرٍ
لِأَنَّهُ لَمَّا أُبِيحَ) مِنْ حَيْثُ إنَّ حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَانَتْ بِاعْتِبَارِ خَلَلٍ يَعُودُ إلَى الْبَدَنِ أَوْ الْعَقْلِ أَوْ الْعُضْوِ وَحِفْظُ ذَلِكَ مَعَ فَوَاتِ النَّفْسِ غَيْرُ مُمْكِنٍ (كَانَ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ الْإِقْدَامِ مُعَاوِنًا لِغَيْرِهِ عَلَى هَلَاكِ نَفْسِهِ فَيَأْثَمُ كَمَا فِي حَالَةِ الْمَخْمَصَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ ﵀ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى ذَلِكَ رُخْصَةٌ، إذْ الْحُرْمَةُ) بِصِفَةِ أَنَّهَا مَيْتَةٌ أَوْ خَمْرٌ وَهِيَ (قَائِمَةٌ فَ) إذَا امْتَنَعَ (كَانَ آخِذًا بِالْعَزِيمَةِ فَلَا يَأْثَمُ. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُرْمَةَ قَائِمَةٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْتَثْنَى حَالَةَ الِاضْطِرَارِ) فَقَالَ ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾ (وَالِاسْتِثْنَاءُ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا) فَكَانَ لِبَيَانِ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى لَمْ يَدْخُلْ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ (فَلَا مُحَرَّمَ) حِينَئِذٍ (فَكَانَ إبَاحَةً لَا رُخْصَةً) فَامْتِنَاعُهُ مِنْ التَّنَاوُلِ كَامْتِنَاعِهِ عَنْ تَنَاوُلِ الطَّعَامِ الْحَلَالِ حَتَّى تَلِفَتْ نَفْسُهُ أَوْ عُضْوُهُ فَكَانَ آثِمًا (لَكِنَّهُ إنَّمَا يَأْثَمُ إذَا عَلِمَ بِالْإِبَاحَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، لِأَنَّ فِي انْكِشَافِ الْحُرْمَةِ خَفَاءً) لِأَنَّهُ أَمْرٌ يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَةِ الْفُقَهَاءِ (فَيُعْذَرُ) أَوْسَاطُ النَّاسِ (بِالْجَهْلِ فِيهِ كَالْجَهْلِ بِالْخِطَابِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ) فَإِنْ قِيلَ: إضَافَةُ الْإِثْمِ إلَى تَرْكِ الْمُبَاحِ مِنْ بَابِ فَسَادِ الْوَضْعِ وَهُوَ فَاسِدٌ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُبَاحَ إنَّمَا يَجُوزُ تَرْكُهُ وَالْإِيتَانُ بِهِ إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مُحَرَّمٌ، وَهَاهُنَا قَدْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ قَتْلُ النَّفْسِ الْمُحَرَّمِ فَصَارَ التَّرْكُ حَرَامًا لِأَنَّ مَا أَفْضَى إلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ.
قَالَ (وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ بِاَللَّهِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ إلَخْ) عَلِمَ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يُعْتَبَرُ إكْرَاهًا فِي تَنَاوُلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute