بِخِلَافِ الْأَقْوَالِ، لِأَنَّ اعْتِبَارَهَا مَوْجُودَةً بِالشَّرْعِ وَالْقَصْدُ مِنْ شَرْطِهِ (إلَّا إذَا كَانَ فِعْلًا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ يَنْدَرِئُ
بِخِلَافِ الْأَقْوَالِ، لِأَنَّ اعْتِبَارَهَا) حَالَ كَوْنِهَا مَوْجُودَةً حَاصِلٌ (بِالشَّرْعِ وَالْقَصْدِ مِنْ شَرْطِ الِاعْتِبَارِ) وَلَيْسَ لِلصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ قَصْدٌ لِقُصُورِ الْعَقْلِ فَيَنْتَفِي الْمَشْرُوطُ بِهِ. وَأَمَّا فِي الْعَبْدِ فَالْقَصْدُ وَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ لَكِنَّهُ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ لِلُزُومِ الضَّرَرِ عَلَى الْمَوْلَى بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْأَقْوَالُ مَوْجُودَةٌ حِسًّا وَمُشَاهَدَةً فَمَا بَالُهَا شَرْطُ اعْتِبَارِهَا مَوْجُودَةً شَرْعًا بِالْقَصْدِ دُونَ الْأَفْعَالِ؟ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَقْوَالَ الْمَوْجُودَةَ حِسًّا وَمُشَاهَدَةً لَيْسَتْ عَيْنَ مَدْلُولَاتِهَا بَلْ هِيَ دَلَالَاتٌ عَلَيْهَا وَيُمْكِنُ تَخَلُّفُ الْمَدْلُولِ عَنْ دَلِيلِهِ، فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْقَوْلُ الْمَوْجُودُ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْدُومِ، بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ فَإِنَّ الْمَوْجُودَ مِنْهَا عَيْنُهَا فَبَعْدَمَا وُجِدَتْ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ غَيْرَ مَوْجُودَةٍ، وَالثَّانِي أَنَّ الْقَوْلَ قَدْ يَقَعُ صِدْقًا وَقَدْ يَقَعُ كَذِبًا وَقَدْ يَقَعُ جِدًّا وَقَدْ يَقَعُ هَزْلًا، فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَصْدِ، أَلَا يَرَى أَنَّ الْقَوْلَ مِنْ الْحُرِّ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ إذَا وُجِدَ هَزْلًا لَمْ يُعْتَبَرْ شَرْعًا فَكَذَا مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ فَإِنَّهَا حَيْثُ وَقَعَتْ وَقَعَتْ حَقِيقَةً فَلَا يُمْكِنُ تَبْدِيلُهَا، وَقَوْلُهُ (إلَّا إذَا كَانَ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لَا مَرَدَّ لَهَا: يَعْنِي أَنَّ الْأَفْعَالَ إذَا وُجِدَتْ لَا مَرَدَّ لَهَا، لَكِنْ إذَا كَانَ فِعْلٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ يُجْعَلُ عَدَمُ الْقَصْدِ فِي ذَلِكَ شُبْهَةً دَارِئَةً لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute