وَمَنَعَهُ مِنْ الْبَيْعِ وَالتَّصَرُّفِ وَالْإِقْرَارِ حَتَّى لَا يُضِرَّ بِالْغُرَمَاءِ) لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَى السَّفِيهِ إنَّمَا جَوَّزَاهُ نَظَرًا لَهُ، وَفِي هَذَا الْحَجْرِ نَظَرٌ لِلْغُرَمَاءِ لِأَنَّهُ عَسَاهُ يُلْجِئُ مَالَهُ فَيَفُوتُ حَقُّهُمْ، وَمَعْنَى قَوْلِهِمَا وَمَنَعَهُ مِنْ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، أَمَّا الْبَيْعُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ لَا يُبْطِلُ حَقَّ الْغُرَمَاءِ وَالْمَنْعُ لِحَقِّهِمْ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ. قَالَ (وَبَاعَ مَالَهُ إنْ امْتَنَعَ الْمُفْلِسُ مِنْ بَيْعِهِ وَقَسَمَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ بِالْحِصَصِ عِنْدَهُمَا) لِأَنَّ الْبَيْعَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ لِإِيفَاءِ دَيْنِهِ حَتَّى يُحْبَسَ لِأَجْلِهِ، فَإِذَا امْتَنَعَ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ كَمَا فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ. قُلْنَا: التَّلْجِئَةُ مَوْهُومَةٌ، وَالْمُسْتَحَقُّ قَضَاءُ الدَّيْنِ، وَالْبَيْعُ لَيْسَ بِطَرِيقٍ مُتَعَيِّنٍ لِذَلِكَ، بِخِلَافِ الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَالْحَبْسُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ بِمَا يَخْتَارُهُ مِنْ الطَّرِيقِ، كَيْفَ وَلَوْ صَحَّ الْبَيْعُ كَانَ الْحَبْسُ إضْرَارًا بِهِمَا بِتَأْخِيرِ حَقِّ الدَّائِنِ وَتَعْذِيبِ الْمَدْيُونِ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا. قَالَ (وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ دَرَاهِمَ وَلَهُ دَرَاهِمُ قَضَى الْقَاضِي بِغَيْرِ أَمْرِهِ) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ، لِأَنَّ لِلدَّائِنِ حَقَّ الْأَخْذِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ فَلِلْقَاضِي أَنْ يُعِينَهُ (وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ دَرَاهِمَ وَلَهُ دَنَانِيرُ أَوْ عَلَى ضِدِّ ذَلِكَ بَاعَهَا الْقَاضِي فِي دَيْنِهِ)
وَمَنَعَهُ التَّصَرُّفَاتِ) وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ أَنْ يَبِيعَ بِالْغَبْنِ يَسِيرًا كَانَ أَوْ فَاحِشًا.
وَقَوْلُهُ (التَّلْجِئَةُ مَوْهُومَةٌ) لِأَنَّهُ احْتِمَالٌ مَرْجُوحٌ فَلَا يُهْدَرُ بِهِ أَهْلِيَّةُ الْإِنْسَانِ وَلَا يُرْتَكَبُ الْبَيْعُ بِلَا تَرَاضٍ. وَقَوْلُهُ (وَالْبَيْعُ لَيْسَ بِطَرِيقٍ مُتَعَيَّنٍ لِذَلِكَ) لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْإِيفَاءُ بِالِاسْتِقْرَاضِ وَالِاسْتِيهَابِ وَالسُّؤَالِ مِنْ النَّاسِ، فَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي تَعْيِينُ هَذِهِ الْجِهَةِ عَلَيْهِ (بِخِلَافِ الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ) فَإِنَّ التَّفْرِيقَ هُنَاكَ مُتَعَيَّنٌ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْهُ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ التَّصْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ فَلَمَّا امْتَنَعَ عَنْ التَّسْرِيحِ بِالْإِحْسَانِ مَعَ عَجْزِهِ عَنْ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ فِي التَّفْرِيقِ (قَوْلُهُ وَالْحَبْسُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا حَتَّى يُحْبَسُ بِرَفْعِ السِّينِ لِأَجْلِهِ: أَيْ لِأَجْلِ الْبَيْعِ وَتَقْرِيرُهُ. سَلَّمْنَا لُزُومَ الْحَبْسِ لَكِنَّهُ لَيْسَ لِأَجْلِ الْبَيْعِ بَلْ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ بِمَا اخْتَارَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ الِاسْتِقْرَاضِ وَالِاسْتِيهَابِ وَسُؤَالِ الصَّدَقَةِ وَبَيْعِ مَالِهِ بِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ كَيْفَ) أَيْ كَيْفَ صَحَّ الْبَيْعُ (وَلَوْ صَحَّ الْمَبِيعُ كَانَ الْحَبْسُ ظُلْمًا لِأَنَّهُ إضْرَارٌ بِهِمَا بِتَأْخِيرِ حَقِّ الدَّائِنِ وَتَعْذِيبِ الْمَدْيُونِ فَلَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute