وَلَوْ أَعْتَقَ مِنْ كَسْبِهِ عَبْدًا لَمْ يَعْتِقْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ وَيَعْتِقُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ)؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ سَبَبُ الْمِلْكِ فِي كَسْبِهِ وَهُوَ مِلْكُ رَقَبَتِهِ وَلِهَذَا يَمْلِكُ إعْتَاقَهَا، وَوَطْءَ الْجَارِيَةِ الْمَأْذُونِ لَهَا، وَهَذَا آيَةُ كَمَالِهِ، بِخِلَافِ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ نَظَرًا لِلْمُوَرِّثِ وَالنَّظَرُ فِي ضِدِّهِ عِنْدَ إحَاطَةِ الدَّيْنِ بِتَرِكَتِهِ. أَمَّا مِلْكُ الْمَوْلَى فَمَا ثَبَتَ نَظَرًا لِلْعَبْدِ. وَلَهُ أَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى إنَّمَا يَثْبُتُ خِلَافُهُ عَنْ الْعَبْدِ عِنْدَ فَرَاغِهِ عَنْ حَاجَتِهِ كَمِلْكِ الْوَارِثِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ وَالْمُحِيطُ بِهِ الدَّيْنُ مَشْغُولٌ بِهَا فَلَا يَخْلُفُهُ فِيهِ، وَإِذَا عُرِفَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ وَعَدَمُهُ فَالْعِتْقُ فُرَيْعَتُهُ، وَإِذَا نَفَذَ عِنْدَهُمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِلْغُرَمَاءِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ. قَالَ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مُحِيطًا بِمَالِهِ جَازَ عِتْقُهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ، وَكَذَا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ قَلِيلِهِ، فَلَوْ جُعِلَ مَانِعًا
بِمَالِهِ دُونَ رَقَبَتِهِ، فَالْأَوَّلُ كَمَا إذَا أُذِنَ لِلْعَبْدِ فَاشْتَرَى عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا وَالْمَأْذُونُ أَيْضًا يُسَاوِي أَلْفًا وَعَلَيْهِ أَلْفَا دِرْهَمٍ. وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ. وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَفِي الْأَوَّلِ لَمْ يَمْلِكْ الْمَوْلَى مَا فِي يَدِهِ (وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا مِنْ كَسْبِهِ لَمْ يُعْتَقْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀. وَقَالَا: لَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ وَيُعْتَقُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ فِي كَسْبِهِ وَهُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ قَدْ وُجِدَ) فَإِنَّ مِلْكَ الْأَصْلِ عِلَّةٌ لِمِلْكِ الْفَرْعِ (وَلِهَذَا يَمْلِكُ إعْتَاقَهَا) يَعْنِي الرَّقَبَةَ (وَوَطْءَ الْأَمَةِ الْمَأْذُونِ لَهَا، وَهَذَا) أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ مِلْكِ الْإِعْتَاقِ وَحِلِّ الْوَطْءِ (آيَةُ كَمَالِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ) فَكَانَ سَبَبُ الْمِلْكِ فِي الْكَسْبِ مَوْجُودًا عَلَى الْكَمَالِ فَيَمْلِكُهُ وَيَنْفُذُ فِيهِ إعْتَاقُهُ. فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَا ذَلِكَ، لَكِنَّ الْمَانِعَ مُتَحَقِّقٌ وَهُوَ إحَاطَةُ الدَّيْنِ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ عَنْ ذَلِكَ كَمَا فِي التَّرِكَةِ إذَا اسْتَغْرَقَتْهَا الدُّيُونُ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ إعْتَاقَ الْوَارِثِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (بِخِلَافِ الْوَارِثِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ نَظَرًا لِلْمُوَرِّثِ) بِإِيصَالِ مَالِهِ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ؛ وَلِهَذَا يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، وَلَا نَظَرَ لِلْمُوَرِّثِ فِي ذَلِكَ عِنْدَ إحَاطَةِ الدَّيْنِ بِتَرِكَتِهِ (بَلْ النَّظَرُ فِي ضِدِّهِ) أَيْ فِي ضِدِّ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْوَارِثِ وَهُوَ قَضَاءُ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ فَرْضٌ عَلَيْهِ وَالْمِيرَاثُ صِلَةٌ، وَإِذَا كَانَ سَبَبُ الْمِلْكِ النَّظَرَ وَقَدْ فَاتَ فَاتَ الْمِلْكُ وَلَا عِتْقَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ (أَمَّا مِلْكُ الْمَوْلَى فَمَا ثَبَتَ نَظَرًا لِلْعَبْدِ) لِيُرَاعَى ذَلِكَ بِعَدَمِ الْعِتْقِ حَتَّى تُقْضَى دُيُونُهُ (وَإِذَا نَفَذَ الْعِتْقُ عِنْدَهُمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِلْغُرَمَاءِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى إنَّمَا يَثْبُتُ خِلَافَةً عَنْ الْعَبْدِ عِنْدَ فَرَاغِهِ عَنْ حَاجَتِهِ كَمِلْكِ الْوَارِثِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ) يَعْنِي فِي مَسْأَلَةِ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِكَسْبِهِ (وَالْمَالُ الَّذِي أَحَاطَ بِهِ الدَّيْنُ مَشْغُولٌ بِهَا فَلَا يَخْلُفُهُ فِيهِ) يَعْنِي كَمَا أَنَّ الدَّيْنَ الْمُحِيطَ بِالتَّرِكَةِ يَمْنَعُ مِلْكَ الْوَارِثِ فِي الرَّقَبَةِ فَكَذَلِكَ الدَّيْنُ الْمُحِيطُ بِالْكَسْبِ وَالرَّقَبَةِ يَمْنَعُ مِلْكَ الْمَوْلَى، لِأَنَّ الْخِلَافَةَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ فِي الْمَالِ، فَالْمَيِّتُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْمَالِكِيَّةِ كَالرَّقِيقِ، لِأَنَّ الْمَالِكِيَّةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُدْرَةِ، وَالْمَوْتُ وَالرِّقُّ يُنَافِيَانِ ذَلِكَ، بَلْ مُنَافَاةُ الْمَوْتِ أَظْهَرُ وَالْمَيِّتُ جُعِلَ كَالْمَالِكِ حُكْمًا لِقِيَامِ حَاجَتِهِ إلَى قَضَاءِ دُيُونِهِ فَكَذَلِكَ الرَّقِيقُ (وَإِذَا عُرِفَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ عِنْدَهُمَا وَعَدَمُهُ عِنْدَ عُرْفِ الْعِتْقِ وَعَدَمِهِ لِكَوْنِهِ فَرْعَهُ) فَمَنْ قَالَ بِثُبُوتِ الْمِلْكِ نَفَذَ الْعِتْقُ، وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَبْطَلَهُ، وَفِي الثَّانِي يَمْلِكُ الْمَوْلَى كَسْبَهُ (وَيَنْفُذُ عِتْقُهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ، وَكَذَا عِنْدَهُ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ لَا يَعْرَى عَنْ قَلِيلِ الدَّيْنِ، فَلَوْ جُعِلَ مَانِعًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute