قَائِمًا لِقَوْلِهِ ﵊ «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ» وَقَالَ ﵊ «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مَتَاعَ أَخِيهِ لَاعِبًا وَلَا جَادًّا، فَإِنْ أَخَذَهُ فَلْيَرُدَّهُ عَلَيْهِ» وَلِأَنَّ الْيَدَ حَقٌّ مَقْصُودٌ وَقَدْ فَوَّتَهَا عَلَيْهِ فَيَجِبُ إعَادَتُهَا بِالرَّدِّ إلَيْهِ، وَهُوَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ عَلَى مَا قَالُوا، وَرَدُّ الْقِيمَةِ مُخَلِّصٌ خَلَفًا؛ لِأَنَّهُ قَاصِرٌ، إذْ الْكَمَالُ فِي رَدِّ الْعَيْنِ وَالْمَالِيَّةِ. وَقِيلَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ الْقِيمَةُ وَرَدُّ الْعَيْنِ مُخَلِّصٌ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ،
الْمَوْزُونَاتِ مَا لَيْسَ بِمِثْلٍ، وَهُوَ الَّذِي فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ كَالْمَصُوغِ مِنْ الْقُمْقُمِ وَالطَّشْتِ وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ لِأَنَّ مِنْ الْمَكِيلِ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ كَالْبُرِّ الْمَخْلُوطِ بِالشَّعِيرِ فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ فَفِيهِ الْقِيمَةُ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَعَلَى الْغَاصِبِ رَدُّ الْعَيْنِ، وَلَعَمْرِي إنَّ تَقْدِيمَ هَذَا الْقِسْمِ كَانَ أَنْسَبَ فَتَأَمَّلْ
لِقَوْلِهِ ﷺ «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ» أَيْ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ عَيْنُ مَا أَخَذَتْ الْيَدُ حَتَّى تَرُدَّ وَقَالَ ﷺ «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مَتَاعَ أَخِيهِ لَاعِبًا وَلَا جَادًّا، فَإِنْ أَخَذَهُ فَلْيَرُدَّهُ عَلَيْهِ» وَهُوَ وَاضِحٌ. وَرِوَايَةُ الْفَائِقِ وَالْمَصَابِيحِ بِدُونِ حَرْفِ الْعَطْفِ وَحَرْفِ النَّفْيِ، وَمَعْنَاهُ: أَنْ لَا يُرِيدَ بِأَخْذِهِ سَرِقَتَهُ وَلَكِنْ إدْخَالُ الْغَيْظِ عَلَى أَخِيهِ، فَهُوَ لَاعِبٌ فِي مَذْهَبِ السَّرِقَةِ جَادٌّ فِي إدْخَالِ الْأَذَى عَلَيْهِ، أَوْ قَاصِدٌ لِلْعَبْدِ وَهُوَ يُرِيدُ أَنَّهُ يَجِدُ فِي ذَلِكَ لِيَغِيظَهُ (وَلِأَنَّ الْيَدَ حَقٌّ مَقْصُودٌ) بِدَلِيلِ جَوَازِ إذْنِ الْعَبْدِ فِي التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ لَا حُكْمَ لِشِرَائِهِ فِي حَقِّهِ سِوَى التَّصَرُّفِ بِالْيَدِ، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مَدْيُونًا فَإِنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ شَائِبَةُ النِّيَابَةِ عَنْ الْمَوْلَى فِي التَّصَرُّفِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْيَدَ حَقٌّ مَقْصُودٌ (وَقَدْ فَوَّتَهَا عَلَيْهِ فَيَجِبُ) عَلَيْهِ (إعَادَتُهَا بِالرَّدِّ إلَيْهِ وَهُوَ الْمُوجِبُ) أَيْ رَدُّ الْعَيْنِ هُوَ الْمُوجِبُ (الْأَصْلِيُّ عَلَى مَا قَالُوا، وَرَدُّ الْقِيمَةِ مُخَلِّصٌ خَلَفًا لِأَنَّهُ قَاصِرٌ، إذْ الْكَمَالُ فِي رَدِّ الْعَيْنِ وَالْمَالِيَّةِ. وَقِيلَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ الْقِيمَةُ وَرَدُّ الْعَيْنِ مُخَلِّصٌ وَيَظْهَرُ مُخَلِّصٌ وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ) فَمِنْهَا مَا إذَا أَبْرَأَ الْغَاصِبَ عَنْ الضَّمَانِ حَالَ قِيَامِ الْعَيْنِ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ حَتَّى لَوْ هَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ وُجُوبُ الْقِيمَةِ عَلَى الْغَاصِبِ فِي الْحَالِ ثَابِتًا لَمَا صَحَّ الْإِبْرَاءُ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْعَيْنِ لَا يَصِحُّ. وَمِنْهَا صِحَّةُ الْكَفَالَةِ مَعَ أَنَّ الْكَفَالَةَ لَا تَصِحُّ بِالْعَيْنِ. وَمِنْهَا وُجُوبُ الزَّكَاةِ فَإِنَّ الْغَاصِبَ إذَا كَانَ لَهُ نِصَابٌ فِي مِلْكِهِ وَقَدْ غَصَبَ شَيْئًا وَهُوَ قَائِمٌ فِي يَدِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ إذَا انْتَقَصَ النِّصَابُ بِمُقَابَلَةِ وُجُوبِ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ. قِيلَ: وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ لَوْ كَانَ الْقِيمَةُ لَجَازَ لِلْغَاصِبِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ رَدِّ الْعَيْنِ إذَا قَدَرَ عَلَى الْقِيمَةِ، لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى الْخَلَفِ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
وَالْجَوَابُ عَنْ مَسْأَلَةِ الْإِبْرَاءِ إنَّمَا هُوَ بِعَرْضِيَّةِ أَنْ يُوجَدَ فَلَهُ شُبْهَةُ الْوُجُودِ فِي الْحَالِ وَالْقِيمَةِ كَذَلِكَ، فَكَانَ الْإِبْرَاءُ صَحِيحًا مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ، وَقَدْ قَرَّرْنَا ذَلِكَ فِي التَّقْرِيرِ وَالْأَنْوَارِ، وَعَنْ مَسْأَلَةِ الْكَفَالَةِ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا صَحِيحَةٌ، وَالْمَغْصُوبُ مِنْهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْكَفَالَةِ، وَعَنْ مَسْأَلَةِ الزَّكَاةِ بِمَا ذَكَرْنَا فِي مَسْأَلَةِ الْإِبْرَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute