وَتَتْبَعُهُ الصَّنْعَةُ كَمَا إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ فِي الْحِنْطَةِ وَأَلْقَتْهَا فِي طَاحُونَةٍ فَطُحِنَتْ. وَلَا مُعْتَبَرَ بِفِعْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ فَلَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ عَلَى مَا عُرِفَ، فَصَارَ كَمَا إذَا انْعَدَمَ الْفِعْلُ أَصْلًا وَصَارَ كَمَا إذَا ذَبَحَ الشَّاةَ الْمَغْصُوبَةَ وَسَلَخَهَا وَأَرَّبَهَا.
وَلَنَا أَنَّهُ أَحْدَثَ صَنْعَةً مُتَقَوِّمَةً صَيَّرَ حَقَّ الْمَالِكِ هَالِكًا مِنْ وَجْهٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَبَدَّلَ الِاسْمُ وَفَاتَ مُعْظَمُ الْمَقَاصِدِ وَحَقُّهُ فِي الصَّنْعَةِ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَتَرَجَّحُ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ فَائِتٌ مِنْ وَجْهٍ، وَلَا نَجْعَلُهُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَحْظُورٌ، بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إحْدَاثُ الصَّنْعَةِ،
بَاقٍ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ (وَتُتْبِعُهُ الصَّنْعَةَ) الْحَادِثَةَ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْأَصْلِ (كَمَا إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ فِي الْحِنْطَةِ وَأَلْقَتْهَا فِي طَاحُونَةٍ فَطَحَنَتْ) فَإِنَّ الدَّقِيقَ يَكُونُ لِمَالِكِ الْحِنْطَةِ كَذَلِكَ هَذَا. فَإِنْ قِيلَ: تَمْثِيلٌ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ تَخَلَّلَ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ فِعْلُ الْغَاصِبِ دُونَ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَلَا مُعْتَبَرَ بِفِعْلِهِ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ فَلَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْفِعْلَ الْمَحْظُورَ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلنِّعْمَةِ وَهُوَ الْمِلْكُ فَصَارَ كَمَا إذَا عُدِمَ الْفِعْلُ أَصْلًا) وَحِينَئِذٍ صَارَتْ صُورَةُ النِّزَاعِ كَالْمُسْتَشْهَدِ بِهِ لَا مَحَالَةَ (وَصَارَ كَمَا إذَا ذَبَحَ الشَّاةَ الْمَغْصُوبَةَ وَأَرَّبَهَا) أَيْ جَعَلَهَا عُضْوًا عُضْوًا، فَإِنَّ فِعْلَ الْغَاصِبِ فِيهِ مَوْجُودٌ وَلَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْمِلْكِ لِكَوْنِهِ مَحْظُورًا (وَلَنَا أَنَّهُ أَحْدَثَ صَنْعَةً مُتَقَوِّمَةً) لِأَنَّ قِيمَةَ الشَّاةِ تَزْدَادُ بِطَبْخِهَا وَشَيِّهَا، وَكَذَلِكَ قِيمَةُ الْحِنْطَةِ تَزْدَادُ بِجَعْلِهَا دَقِيقًا (وَإِحْدَاثُهَا صَيَّرَ) جِنْسَ (حَقِّ الْمَالِكِ هَالِكًا مِنْ وَجْهٍ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَبَدَّلَ الِاسْمُ وَفَاتَ مُعْظَمُ الْمَقَاصِدِ (وَحَقُّهُ) أَيْ حَقُّ الْغَاصِبِ (فِي الصَّنْعَةِ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) وَمَا هُوَ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مُرَجَّحٌ عَلَى الْهَالِكِ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ مِنْ قَوْلِهِمْ: إذَا تَعَارَضَ ضَرْبًا بِالتَّرْجِيحِ كَانَ الرُّجْحَانُ فِي الذَّاتِ أَحَقَّ مِنْهُ فِي الْحَالِ، لِأَنَّ الْحَالَ قَائِمَةٌ بِالذَّاتِ تَابِعَةٌ لَهُ فَيَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ بِالشَّيِّ وَالطَّبْخِ، لِأَنَّ الصَّنْعَةَ قَائِمَةٌ بِذَاتِهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْعَيْنُ هَالِكَةٌ مِنْ وَجْهٍ (قَوْلُهُ وَلَا نَجْعَلُهُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَحْظُورٌ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِفِعْلِهِ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ لِهَذَا الْفِعْلِ جِهَتَيْنِ: جِهَةُ تَفْوِيتِ يَدِ الْمَالِكِ عَنْ الْمَحَلِّ وَهُوَ مَحْظُورٌ، وَجِهَةُ إحْدَاثِ صَنْعَةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute