وَلِأَنَّ فِي إبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ فَتْحُ بَابِ الْغَصْبِ فَيَحْرُمُ قَبْلَ الْإِرْضَاءِ حَسْمًا لِمَادَّةِ الْفَسَادِ وَنَفَاذِ بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ مَعَ الْحُرْمَةِ لِقِيَامِ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْمِلْكِ الْفَاسِدِ. وَإِذَا أَدَّى الْبَدَلَ يُبَاحُ لَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ صَارَ مُوَفًّى بِالْبَدَلِ فَحَصَلَتْ مُبَادَلَةٌ بِالتَّرَاضِي، وَكَذَلِكَ إذَا أَبْرَأَهُ لِسُقُوطِ حَقِّهِ بِهِ، وَكَذَا إذَا أَدَّى بِالْقَضَاءِ أَوْ ضَمِنَهُ الْحَاكِمُ أَوْ ضَمِنَهُ الْمَالِكُ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي إلَّا بِطَلَبِهِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا غَصَبَ حِنْطَةً فَزَرَعَهَا أَوْ نَوَاةً فَغَرَسَهَا غَيْرَ أَنَّهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ فِيهِمَا قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ لِوُجُودِ الِاسْتِهْلَاكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِقِيَامِ الْعَيْنِ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ. وَفِي الْحِنْطَةِ يَزْرَعُهَا لَا يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَأَصْلُهُ مَا تَقَدَّمَ. .
يَعْنِي الْمُحْبَسِينَ فَأَمَرَهُ بِالتَّصَدُّقِ مَعَ كَوْنِ الْمَالِكِ مَعْلُومًا. بَيَانُ أَنَّ الْغَاصِبَ قَدْ مَلَكَهَا لِأَنَّ مَالَ الْغَيْرِ يَحْفَظُ عَلَيْهِ عَيْنَهُ إذَا أَمْكَنَ وَثَمَنُهُ بَعْدَ الْبَيْعِ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ حِفْظُ عَيْنِهِ، وَلَمَّا أَمَرَ بِالتَّصَدُّقِ بِهَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَلَكَهَا وَعَلَى حُرْمَةِ الِانْتِفَاعِ لِلْغَاصِبِ قَبْلَ الْإِرْضَاءِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ فِي إبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَنَفَاذُ بَيْعِهِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَلِهَذَا لَوْ وَهَبَهُ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ نَفَاذَ ذَلِكَ لِقِيَامِ الْمِلْكِ وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِبَاحَةَ كَمَا فِي الْمِلْكِ الْفَاسِدِ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا أَدَّى الْبَدَلَ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ بَدَلَهَا وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ.
وَقَوْلُهُ (أَوْ ضَمِنَهُ الْحَاكِمُ) يَعْنِي إذَا كَانَ مَالَ الْيَتِيمِ، وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ) أَشَارَ إلَى قَوْلِهِ كَمَنْ غَصَبَ شَاةً وَذَبَحَهَا وَشَوَاهَا أَوْ طَبَخَهَا أَوْ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا أَوْ حَدِيدًا فَاِتَّخَذَهُ سَيْفًا. وَقَوْلُهُ (وَأَصْلُهُ مَا تَقَدَّمَ) إشَارَةٌ إلَى مَا ذُكِرَ قَبْلَ هَذَا الْفَصْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute