بَنَى فِيهَا؛ لِأَنَّ التَّمْيِيزَ مُمْكِنٌ، بِخِلَافِ السَّمْنِ فِي السَّوِيقِ؛ لِأَنَّ التَّمْيِيزَ مُتَعَذِّرٌ. وَلَنَا مَا بَيَّنَّا أَنَّ فِيهِ رِعَايَةَ الْجَانِبَيْنِ وَالْخِيَرَةُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ لِكَوْنِهِ صَاحِبَ الْأَصْلِ، بِخِلَافِ السَّاحَةِ بَنَى فِيهَا؛ لِأَنَّ النَّقْضَ لَهُ بَعْدَ النَّقْضِ؛ أَمَّا الصِّبْغُ فَيَتَلَاشَى، وَبِخِلَافِ مَا إذَا انْصَبَغَ بِهُبُوبِ الرِّيحِ؛ لِأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ مِنْ صَاحِبِ الصَّبْغِ لِيَضْمَنَ الثَّوْبَ فَيَتَمَلَّكُ صَاحِبُ الْأَصْلِ الصِّبْغَ. قَالَ أَبُو عِصْمَةَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: وَإِنْ شَاءَ رَبُّ الثَّوْبِ بَاعَهُ وَيَضْرِبُ بِقِيمَتِهِ أَبْيَضَ وَصَاحِبُ الصَّبْغِ بِمَا زَادَ الصِّبْغُ فِيهِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَتَمَلَّكَ الصَّبْغَ بِالْقِيمَةِ، وَعِنْدَ امْتِنَاعِهِ تَعَيَّنَ رِعَايَةُ الْجَانِبَيْنِ فِي الْبَيْعِ وَيَتَأَتَّى، هَذَا فِيمَا إذَا انْصَبَغَ الثَّوْبُ بِنَفْسِهِ، وَقَدْ ظَهَرَ بِمَا ذَكَرْنَا لِوَجْهٍ فِي السَّوِيقِ، غَيْرَ أَنَّ السَّوِيقَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَيَضْمَنُ مِثْلَهُ وَالثَّوْبُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ. وَقَالَ فِي الْأَصْلِ: يَضْمَنُ قِيمَةَ السَّوِيقِ؛ لِأَنَّ السَّوِيقَ يَتَفَاوَتُ بِالْقَلْيِ فَلَمْ يَبْقَ مِثْلِيًّا. وَقِيلَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْمِثْلُ سَمَّاهُ بِهِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ، وَالصُّفْرَةُ كَالْحُمْرَةِ. وَلَوْ صَبَغَهُ أَسْوَدَ فَهُوَ نُقْصَانٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا زِيَادَةٌ. وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ. وَقِيلَ إنْ كَانَ ثَوْبًا يُنْقِصُهُ السَّوَادُ فَهُوَ نُقْصَانٌ، وَإِنْ كَانَ ثَوْبًا يُزِيدُ فِيهِ السَّوَادُ فَهُوَ كَالْحُمْرَةِ وَقَدْ عُرِفَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَلَوْ كَانَ ثَوْبًا تُنْقِصُهُ الْحُمْرَةُ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا فَتَرَاجَعَتْ بِالصَّبْغِ إلَى عِشْرِينَ، فَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى ثَوْبٍ تُزِيدُ فِيهِ الْحُمْرَةُ، فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ خَمْسَةً يَأْخُذُ ثَوْبَهُ وَخَمْسَةَ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّ إحْدَى الْخَمْسَتَيْنِ جُبِرَتْ بِالصَّبْغِ.
كَمَا أَنَّ فِي فَصْلِ السَّاحَةِ يُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ إذَا لَمْ تَتَضَرَّرْ الْأَرْضُ بِهِ، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا شَغْلَ مِلْكِ الْغَيْرِ بِمِلْكِهِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ التَّمْيِيزَ مُمْكِنٌ) يَعْنِي بِالْعَصْرِ. وَقَوْلُهُ (وَلَنَا مَا بَيَّنَّا) يَعْنِي فِي مَسْأَلَةِ السَّاجَةِ بِالْجِيمِ بِقَوْلِهِ وَوَجْهٌ آخَرُ لَنَا. وَقَوْلُهُ (وَالْخَيْرُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لِمَ لَا يَكُونُ الْخِيَارُ لِصَاحِبِ الصَّبْغِ: يَعْنِي إنْ شَاءَ سَلَّمَ الثَّوْبَ إلَى مَالِكِهِ وَضَمَّنَهُ قِيمَةَ صَبْغِهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ قِيمَةَ الثَّوْبِ أَبْيَضَ. وَبَيَانُهُ أَنَّ تَخْيِيرَ كُلٍّ مِنْهُمَا مُتَعَذِّرٌ لِجَوَازِ وُقُوعِ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا، وَتَخْيِيرُ الْمَالِكِ أَوْلَى لِأَنَّ الثَّوْبَ أَصْلٌ وَالصَّبْغَ صِفَةٌ فَيَكُونُ كَالتَّابِعِ لَهُ، وَالسَّوِيقُ بِمَنْزِلَةِ الثَّوْبِ وَالسَّمْنُ بِمَنْزِلَةِ الصَّبْغِ (قَالَ أَبُو عِصْمَةَ الْمَرْوَزِيُّ) ﵀ (فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ) يَعْنِي فِي قَوْلِهِ وَمَنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ، وَاحْتُرِزَ بِهَذَا الْقَيْدِ عَنْ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو عِصْمَةَ مُتَّصِلٌ بِمَا يَلِيهِ مِنْ مَسْأَلَةِ الِانْصِبَاغِ وَإِنْ كَانَتْ مَسْأَلَةُ الِانْصِبَاغِ كَذَلِكَ، لَكِنْ وَقَعَ مِنْ أَبِي عِصْمَةَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَقَيَّدَهُ بِذَلِكَ تَصْحِيحًا لِلنَّقْلِ (وَقَدْ ظَهَرَ بِمَا ذَكَرْنَا) فِي مَسْأَلَةِ الصَّبْغِ وَالِانْصِبَاغِ (الْوَجْهُ) يَعْنِي جَوَابَ الْمَسْأَلَةِ وَتَعْلِيلَهَا (فِي السَّوِيقِ) مِنْ حَيْثُ الْخَلْطُ وَالِاخْتِلَاطُ بِغَيْرِ فِعْلٍ (غَيْرَ أَنَّ السَّوِيقَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَيَضْمَنُ مِثْلَهُ، وَالثَّوْبُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ.
وَقَالَ فِي الْأَصْلِ: يَضْمَنُ قِيمَةَ السَّوِيقِ لِأَنَّ السَّوِيقَ يَتَفَاوَتُ بِالْقَلْيِ فَلَمْ يَبْقَ مِثْلِيًّا. وَقِيلَ الْمُرَادُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْقِيمَةِ (الْمِثْلُ سَمَّاهُ بِهِ) أَيْ سَمَّى الْمِثْلَ بِالْقِيمَةِ (لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ) أَيْ لِقِيَامِ الْمِثْلِ مَقَامَ الْمَغْصُوبِ، وَذَكَّرَ الضَّمِيرَ فِي مِنْهُ وَبِهِ بِتَأْوِيلِ مَا يُقَوَّمُ (قَوْلُهُ فَعَنْ مُحَمَّدٍ ﵀ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَخْ) مَعْنَاهُ إنْ نَظَرَ إلَى ثَوْبٍ تَزِيدُ فِيهِ الْحُمْرَةُ فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ خَمْسَةً مَثَلًا يَأْخُذُ ثَوْبَهُ وَخَمْسَةَ دَرَاهِمَ، لِأَنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ اسْتَوْجَبَ نُقْصَانَ الثَّوْبِ عَشْرَةً وَاسْتَوْجَبَ الصَّبَّاغُ عَلَيْهِ قِيمَةَ الصَّبْغِ خَمْسَةً، فَالْخَمْسَةُ بِالْخَمْسَةِ قِصَاصٌ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ مَا بَقِيَ مِنْ النُّقْصَانِ وَهُوَ خَمْسَةٌ، وَهَذَا رِوَايَةُ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute