يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ وَاحِدٌ عَدْلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُشْهِدَ إذَا أَخْبَرَهُ وَاحِدٌ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا صَبِيًّا كَانَ أَوْ امْرَأَةً إذَا كَانَ الْخَبَرُ حَقًّا.
وَأَصْلُ الِاخْتِلَافِ فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِدَلَائِلِهِ وَأَخَوَاتِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُخَيَّرَةِ إذَا أَخْبَرَتْ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلْزَامُ حُكْمٍ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَخْبَرَهُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ خَصْمٌ فِيهِ وَالْعَدَالَةُ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي الْخُصُومِ. وَالثَّانِي طَلَبُ التَّقْرِيرِ وَالْإِشْهَادِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِإِثْبَاتِهِ عِنْدَ الْقَاضِي عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَلَا يُمْكِنُهُ الْإِشْهَادُ ظَاهِرًا عَلَى طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى فَوْرِ الْعِلْمِ بِالشِّرَاءِ فَيَحْتَاجُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى طَلَبِ الْإِشْهَادِ وَالتَّقْرِيرِ وَبَيَانُهُ مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ (ثُمَّ يَنْهَضُ مِنْهُ) يَعْنِي مِنْ الْمَجْلِسِ (وَيَشْهَدُ عَلَى الْبَائِعِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ) مَعْنَاهُ لَمْ يُسَلَّمْ إلَى الْمُشْتَرِي (أَوْ عَلَى الْمُبْتَاعِ أَوْ عِنْدَ الْعَقَارِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ اسْتَقَرَّتْ شُفْعَتُهُ) وَهَذَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَصْمٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ لِلْأَوَّلِ الْيَدَ وَلِلثَّانِي الْمِلْكَ، وَكَذَا يَصِحُّ الْإِشْهَادُ عِنْدَ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، فَإِنْ سَلَّمَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ لَمْ يَصِحَّ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ لِخُرُوجِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا، إذْ لَا يَدَ لَهُ وَلَا مِلْكَ
مَحْضٌ، وَالْمُخْتَارُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ.
وَقَوْلُهُ (وَأَصْلُ الِاخْتِلَافِ فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي آخِرِ فَصْلِ الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ وَهُوَ مِنْ فُصُولِ كِتَابِ آدَابِ الْقَاضِي، وَأَرَادَ بِأَخَوَاتِهِ الْمَوْلَى إذَا أُخْبِرَ بِجِنَايَةِ عَبْدِهِ وَالشَّفِيعَ وَالْبِكْرَ وَالْمُسْلِمَ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ إلَيْهَا. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْمُخَيَّرَةِ إذَا أُخْبِرَتْ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: يَعْنِي أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أُخْبِرَتْ بِأَنَّ زَوْجَهَا خَيَّرَهَا فِي نَفْسِهَا ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ عَدْلًا كَانَ الْمُخْبِرُ أَوْ غَيْرَهُ، فَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِي مَجْلِسِهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَإِلَّا فَلَا لِمَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلْزَامُ حُكْمٍ حَتَّى يُشْتَرَطَ فِيهِ أَحَدُ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ. وَقَوْلُهُ (أَوْ عَلَى الْمُبْتَاعِ) يَعْنِي الْمُشْتَرِيَ (أَوْ عِنْدَ الْعَقَارِ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: الشَّفِيعُ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى طَلَبِ الْإِشْهَادِ بَعْدَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْإِشْهَادُ عِنْدَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ بِأَنْ سَمِعَ الشِّرَاءَ حَالَ غَيْبَتِهِ عَنْ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعِ وَالدَّارِ. أَمَّا إذَا سَمِعَ الشِّرَاءَ بِحَضْرَةِ أَحَدِ هَؤُلَاءِ فَطَلَبَ الْمُوَاثَبَةَ وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ فَذَلِكَ يَكْفِيهِ وَيَقُومُ مَقَامَ الطَّلَبَيْنِ، فَإِنْ تَرَكَ الْأَقْرَبَ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَقَصَدَ الْأَبْعَدَ وَكَانُوا فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ قِيَاسًا وَلَمْ تَبْطُلْ اسْتِحْسَانًا، لِأَنَّ نَوَاحِيَ الْمِصْرِ جُعِلَتْ كَنَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ فِي مِصْرٍ وَالْآخَرَانِ فِي مِصْرٍ آخَرَ أَوْ فِي رُسْتَاقِ هَذَا الْمِصْرِ فَتَرَكَ الْأَقْرَبَ إلَى الْأَبْعَدِ بَطَلَتْ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا ثُمَّ مُدَّةُ هَذَا الطَّلَبِ مُقَدَّرَةٌ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الْإِشْهَادِ عِنْدَ حَضْرَةِ أَحَدِ هَؤُلَاءِ، حَتَّى لَوْ تَمَكَّنَ وَلَمْ يَطْلُبْ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute