حَيْثُ تَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ. وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ امْتَنَعَ قَبْضُ الْمُشْتَرِي وَأَنَّهُ يُوجِبُ الْفَسْخَ، وَقَدْ طَوَّلْنَا الْكَلَامَ فِيهِ فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى. .
قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا لِغَيْرِهِ فَهُوَ الْخَصْمُ لِلشَّفِيعِ)؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ، وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ فَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ. قَالَ (إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهَا إلَى الْمُوَكِّلِ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ يَدٌ وَلَا مِلْكٌ فَيَكُونُ الْخَصْمُ هُوَ الْمُوَكِّلُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ كَالْبَائِعِ مِنْ الْمُوَكِّلِ عَلَى مَا عُرِفَ فَتَسْلِيمُهُ إلَيْهِ كَتَسْلِيمِ الْبَائِعِ إلَى الْمُشْتَرِي فَتَصِيرُ الْخُصُومَةُ مَعَهُ، إلَّا أَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فَيَكْتَفِي بِحُضُورِهِ فِي الْخُصُومَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَكِيلَ الْغَائِبِ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهُ إذَا كَانَتْ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ عَاقِدٌ وَكَذَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَصِيًّا لِمَيِّتٍ فِيمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِمَا ذَكَرْنَا. .
قَالَ (وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي لِلشَّفِيعِ بِالدَّارِ وَلَمْ يَكُنْ رَآهَا فَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، وَإِنْ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي شَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْهُ)؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فَيَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارَانِ كَمَا فِي الشِّرَاءِ، وَلَا يَسْقُطُ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَلَا بِرُؤْيَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْهُ فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ.
فَأَخَذَهُ الشَّفِيعُ مِنْ يَدِهِ حَيْثُ تَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تَمَّ مِلْكُهُ بِالْقَبْضِ.
قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا لِغَيْرِهِ فَهُوَ الْخَصْمُ إلَخْ) الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ وَكِيلًا، فَإِمَّا أَنْ يُسَلِّمَ الْمَبِيعَ إلَى مُوَكِّلِهِ قَبْلَ الْخُصُومَةِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهُوَ الْخَصْمُ لِلشَّفِيعِ (لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ) وَالْعَاقِدُ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ حُقُوقُ الْعَقْدِ (وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ مِنْ حُقُوقِهِ) وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَالْمُوَكِّلُ هُوَ الْخَصْمُ (لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِلْوَكِيلِ يَدٌ وَلَا مِلْكٌ) وَهَذَا لِأَنَّ الْوَكِيلَ كَالْبَائِعِ مِنْ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ يَجْرِي بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةٌ حُكْمِيَّةٌ عَلَى مَا عُرِفَ، فَتَسْلِيمُهُ إلَى الْمُوَكِّلِ كَتَسْلِيمِ الْبَائِعِ إلَى الْمُشْتَرِي، وَلَوْ سَلَّمَ الْمُشْتَرِي كَانَ هُوَ الْخَصْمُ فَكَذَا الْمُوَكِّلُ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ كَالْبَائِعِ مِنْ الْمُوَكِّلِ لَكَانَ حُضُورُ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ جَمِيعًا شَرْطًا فِي الْخُصُومَةِ فِي الشُّفْعَةِ إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ الْوَكِيلِ، كَمَا أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ فِي الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ) لِكَوْنِهِ نَائِبًا عَنْهُ (فَيُكْتَفَى بِحُضُورِهِ) وَالْبَائِعُ ثَمَّةَ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الْمُشْتَرِي فَلَا يُكْتَفَى بِحُضُورِهِ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَكِيلًا) ظَاهِرٌ.
وَقَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَصِيًّا) يَعْنِي يَكُونُ الْخَصْمُ لِلشَّفِيعِ هُوَ الْوَصِيُّ إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ صِغَارًا، وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ (فِيمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ) احْتِرَازًا عَمَّا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ، فَإِنَّ بَيْعَهُ بِهِ لَا يَجُوزُ. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ كَوْنُ الْوَرَثَةِ صِغَارًا، فَإِنَّ الْوَصِيَّ يَبِيعُ التَّرِكَةَ، أَمَّا إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ كِبَارًا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُمْ مُتَمَكِّنُونَ مِنْ النَّظَرِ لِأَنْفُسِهِمْ
وَقَوْلُهُ (وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي لِلشَّفِيعِ بِالدَّارِ إلَخْ) ظَاهِرٌ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ أَيْضًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute