للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ فَقُلْنَا ذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ. فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ (وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ نَقُولُ: لَا يَصِحُّ الثَّانِي هُنَالِكَ إلَّا بِفَسْخِ الْأَوَّلِ، أَمَّا هَاهُنَا فَبِخِلَافِهِ)، وَلِأَنَّ بَيِّنَةَ الشَّفِيعِ مُلْزِمَةٌ وَبَيِّنَةَ الْمُشْتَرِي غَيْرُ مُلْزِمَةٍ وَالْبَيِّنَاتُ لِلْإِلْزَامِ. .

قَالَ (وَإِذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي ثَمَنًا وَادَّعَى الْبَائِعُ أَقَلَّ مِنْهُ وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِمَا قَالَهُ الْبَائِعُ وَكَانَ ذَلِكَ حَطًّا عَنْ الْمُشْتَرِي)؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْأَمْرَ إنْ كَانَ عَلَى مَا قَالَ الْبَائِعُ فَقَدْ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى مَا قَالَ الْمُشْتَرِي فَقَدْ حَطَّ الْبَائِعُ بَعْضَ الثَّمَنِ، وَهَذَا الْحَطُّ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلِأَنَّ التَّمَلُّكَ عَلَى الْبَائِعِ بِإِيجَابِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ مَا بَقِيَتْ مُطَالَبَتُهُ فَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِقَوْلِهِ. قَالَ (وَلَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ الْأَكْثَرَ يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ، وَأَيُّهُمَا نَكَلَ ظَهَرَ أَنَّ الثَّمَنَ مَا يَقُولُهُ الْآخَرُ فَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِذَلِكَ، وَإِنْ حَلَفَا يَفْسَخُ الْقَاضِي الْبَيْعَ عَلَى مَا عُرِفَ وَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِقَوْلِ الْبَائِعِ)؛ لِأَنَّ فَسْخَ الْبَيْعِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ حَقِّ الشَّفِيعِ. قَالَ (وَإِنْ كَانَ قَبَضَ الثَّمَنَ أَخَذَ بِمَا قَالَ الْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى قَوْلِ الْبَائِعِ)؛ لِأَنَّهُ لَمَّا

فَتَعَذَّرَ التَّوْفِيقُ، عَلَى أَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ عَلَى مَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ صَدَرَ مِنْهُ إقْرَارَانِ: أَيْ بِحَسَبِ مَا تُوجِبُهُ الْبَيِّنَتَانِ، فَكَانَ الْمُوَكِّلُ أَنْ يَأْخُذَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ (وَأَمَّا الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ فَقَدْ ذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ)، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ لِلْمُشْتَرِي فَذَاكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ التَّوْفِيقَ مُتَعَذِّرٌ، إذْ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ الثَّانِي هُنَاكَ إلَّا بِفَسْخِ الْأَوَّلِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَكَاهَا مُحَمَّدٌ وَأَخَذَ بِهَا (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ بَيِّنَةَ الشَّفِيعِ مُلْزِمَةٌ) لِأَنَّهَا إذَا قَبِلَتْ وَجَبَ عَلَى الْمُشْتَرِي تَسْلِيمُ الدَّارِ بِمَا ادَّعَاهُ الشَّفِيعُ شَاءَ أَوْ أَبَى. وَالْمُلْزِمُ مِنْهَا أَوْلَى لِأَنَّهَا وُضِعَتْ لِلْإِلْزَامِ، وَبَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ غَيْرُ مُلْزِمَةٍ لِأَنَّهَا إذَا قَبِلَتْ لَا يَجِبُ عَلَى الشَّفِيعِ شَيْءٌ وَلَكِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ أَوْ يَتْرُكَ، وَغَيْرُ الْمُلْزِمِ مُسْتَمِرٌّ فِي مُقَابَلَةِ الْمُلْزِمِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ طَرِيقَةً أُخْرَى لَهُ حَكَاهَا أَبُو يُوسُفَ وَلَمْ يَأْخُذْ بِهَا، وَعَلَى هَذِهِ وَقَعَتْ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ بَيِّنَةِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَالْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُلْزِمَةٌ، فَلِهَذَا صِرْنَا إلَى التَّرْجِيحِ لِلزِّيَادَةِ وَرَجَّحْنَا بَيِّنَةَ الْمَوْلَى الْقَدِيمِ لِكَوْنِهَا مُلْزِمَةً عَلَى بَيِّنَةِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُلْزِمَةٍ.

قَالَ (وَإِذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي ثَمَنًا وَادَّعَى الْبَائِعُ أَقَلَّ مِنْهُ إلَخْ) إذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا أَوْ غَيْرَ مَقْبُوضٍ، أَوْ يَكُونَ الْقَبْضُ غَيْرَ ظَاهِرٍ: يَعْنِي غَيْرَ مَعْلُومٍ لِلشَّفِيعِ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَقْبُوضٍ فَإِمَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْبَائِعُ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ وَكَانَ ذَلِكَ حَطًّا عَنْ الْمُشْتَرِي.

وَوَجْهُهُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ وَلِأَنَّ التَّمَلُّكَ وَجْهٌ آخَرُ وَإِنَّمَا كَانَ التَّمَلُّكُ عَلَى الْبَائِعِ بِإِيجَابِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقُلْ بِعْت لَا يَثْبُتُ لِلشَّفِيعِ شَيْءٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالْبَيْعِ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ وَلَيْسَ لَهُمَا بَيِّنَةٌ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا بِالْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ، وَأَيُّهُمَا نَكَلَ ظَهَرَ أَنَّ الثَّمَنَ مَا يَقُولُهُ الْآخَرُ فَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِذَلِكَ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا عُرِفَ. وَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِقَوْلِ الْبَائِعِ لِأَنَّ فَسْخَ الْبَيْعِ وَلَا يُوجِبُ بُطْلَانَ حَقِّ الشَّفِيعِ إنْ كَانَ الْفَسْخُ بِالْقَضَاءِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نُصِبَ نَاظِرًا لِلْمُسْلِمِينَ لَا مُبْطِلًا لِحُقُوقِهِمْ (وَإِنْ كَانَ مَقْبُوضًا أَخَذَهَا بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى قَوْلِ الْبَائِعِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>