للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُهُ يَتَأَتَّى فِيمَا إذَا جَعَلَ شِقْصًا مِنْ دَارٍ مَهْرًا أَوْ مَا يُضَاهِيهِ لِأَنَّهُ لَا شُفْعَةَ عِنْدَهُ إلَّا فِيهِ وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ تَقَوُّمَ مَنَافِعِ الْبُضْعِ فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهَا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ ضَرُورِيٌّ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشُّفْعَةِ، وَكَذَا الدَّمُ وَالْعِتْقُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ لِأَنَّ الْقِيمَةَ مَا يَقُومُ مَقَامَ غَيْرِهِ فِي الْمَعْنَى الْخَاصِّ الْمَطْلُوبِ وَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِمَا، وَعَلَى هَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ ثُمَّ فَرَضَ لَهَا الدَّارَ مَهْرًا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَفْرُوضِ فِي الْعَقْدِ فِي كَوْنِهِ مُقَابِلًا بِالْبُضْعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ بِالْمُسَمَّى لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى دَارٍ عَلَى أَنْ تَرُدَّ عَلَيْهِ أَلْفًا فَلَا شُفْعَةَ فِي جَمِيعِ الدَّارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: تَجِبُ فِي حِصَّةِ الْأَلْفِ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ مَالِيَّةٌ فِي حَقِّهِ.

وَهُوَ يَقُولُ مَعْنَى الْبَيْعِ فِيهِ تَابِعٌ وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَلَا يَفْسُدُ بِشَرْطِ النِّكَاحِ فِيهِ، وَلَا شُفْعَةَ فِي الْأَصْلِ فَكَذَا فِي التَّبَعِ، وَلِأَنَّ الشُّفْعَةَ شُرِعَتْ فِي الْمُبَادَلَةِ الْمَالِيَّةِ الْمَقْصُودَةِ

أَيْ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ (يَتَأَتَّى فِيمَا إذَا جَعَلَ شِقْصًا مِنْ دَارٍ مَهْرًا أَوْ مَا يُضَاهِيهِ) أَيْ مَا يُشَابِهُ الْمَهْرَ كَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالْأَجْرِ (لِأَنَّهُ لَا شُفْعَةَ عِنْدَهُ إلَّا فِيهِ) حَيْثُ لَا يَرَى الشُّفْعَةَ لَا فِي الْجِوَارِ وَلَا فِيمَا لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ كَالْحَمَّامِ (وَنَحْنُ نَقُولُ) جَوَابٌ عَنْ جَعْلِهِ هَذِهِ الْأَعْوَاضَ مُتَقَوِّمَةً، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ تَقَوُّمَ هَذِهِ الْأَعْوَاضِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا أَوْ ضَرُورِيًّا، وَالْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشُّفْعَةِ (قَوْلُهُ وَكَذَا الدَّمُ وَالْعِتْقُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ) وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُمَا لِأَنَّ تَقَوُّمَهُمَا أَبْعَدُ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَالَيْنِ فَضْلًا عَنْ التَّقَوُّمِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ الْقِيمَةَ مَا يَقُومُ مَقَامَ غَيْرِهِ فِي الْمَعْنَى الْخَاصِّ الْمَطْلُوبِ) وَهُوَ الْمَالِيَّةُ لِأَنَّ الْقِيمَةَ إنَّمَا تَقُومُ مَقَامَ الْغَيْرِ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ لَا بِغَيْرِهَا مِنْ الْأَوْصَافِ كَالْجَوْهَرِيَّةِ وَالْجِسْمِيَّةِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ الْمَعْنَى الْخَاصُّ فِيهِمَا لِأَنَّ الْعِتْقَ إسْقَاطٌ، وَإِزَالَةُ الدَّمِ لَيْسَ إلَّا حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا يُتَمَوَّلُ بِهِ وَيُدَّخَرُ. وَقَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا) لِبَيَانِ أَنَّ الْفَرْضَ عِنْدَ الْعَقْدِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ فِي كَوْنِهِ مُقَابَلًا بِالْبُضْعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الدَّارَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ بِالْمُسَمَّى فَإِنَّ فِيهِ الشُّفْعَةَ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ.

وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْبَيْعَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَاسِدٌ لِجَهَالَتِهِ وَلَا شُفْعَةَ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمَا وَبِأَنَّهُ جَهَالَةٌ فِي السَّاقِطِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَالْمَفْسَدَةِ مَا أَفَضْت إلَيْهَا (وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى دَارٍ عَلَى أَنْ تَرُدَّ عَلَيْهِ أَلْفًا فَلَا شُفْعَةَ فِي جَمِيعِ الدَّارِ) أَيْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا (وَقَالَا: تَجِبُ فِي حِصَّةِ الْأَلْفِ) تُقْسَمُ قِيمَةُ الدَّارِ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَأَلْفِ دِرْهَمٍ (لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ مَالِيَّةٌ فِي حَقِّهِ) أَيْ فِي حَقِّ مَا يَخُصُّ الْأَلْفَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ مَعْنَى الْبَيْعِ فِيهِ تَابِعٌ وَالْمَقْصُودُ هُوَ النِّكَاحُ (وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَلَا يَفْسُدُ بِشَرْطِ النِّكَاحِ فِيهِ) وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ أَصْلًا يَفْسُدُ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْت مِنْك هَذِهِ الدَّارَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تُزَوِّجِينِي نَفْسَك. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الشُّفْعَةَ) دَلِيلٌ آخَرُ، وَفِيهِ إشَارَةً إلَى دَفْعِ مَا يُقَالُ الشُّفْعَةُ تُفْضِي إلَى الْمُبَادَلَةِ الْمَالِيَّةِ، وَأَمَّا أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمَقْصُودَةُ فَمَمْنُوعٌ.

وَوَجْهُهُ أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>