وَحَقُّ الْفَسْخِ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ لِدَفْعِ الْفَسَادِ، وَفِي إثْبَاتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ تَقْرِيرُ الْفَسَادِ فَلَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ صَارَ أَخَصَّ بِهِ تَصَرُّفًا وَفِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مَمْنُوعٌ عَنْهُ قَالَ (فَإِنْ سَقَطَ حَقُّ الْفَسْخِ
فَاسِدًا ابْتِدَاءً، لِأَنَّ الْفَسَادَ إذَا كَانَ بَعْدَ انْعِقَادِهِ صَحِيحًا فَحَقُّ الشُّفْعَةِ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ النَّصْرَانِيَّ إذَا اشْتَرَى مِنْ نَصْرَانِيٍّ دَارًا بِخَمْرٍ وَلَمْ يَتَقَابَضَا حَتَّى أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا أَوْ قَبَضَ الدَّارَ وَلَمْ يَقْبِضْ الْخَمْرَ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَحَقُّ الشَّفِيعِ فِي الشُّفْعَةِ بَاقٍ لِأَنَّ فَسَادَهَا بَعْدَ وُقُوعِهِ صَحِيحًا (قَوْلُهُ وَفِي إثْبَاتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ تَقْرِيرُ الْفَسَادِ فَلَا يَجُوزُ) يَعْنِي الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ لَا يَثْبُتَ الْمُفْسِدُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ كَمَا لَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّهِ الْخِيَارُ الثَّابِتُ لِلْمُشْتَرِي الَّذِي اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَيَثْبُتُ الْبَيْعُ فِي حَقِّهِ بِلَا مُفْسِدٍ لِيَصِلَ إلَى حَقِّهِ، وَلَا يَلْزَمُ تَقْرِيرُ الْفَسَادِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ فَسَادَ الْبَيْعِ إنَّمَا ثَبَتَ لِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَى الْعِوَضِ، إمَّا بِالشَّرْطِ فِي حَقِّهِ أَوْ الْفَسَادِ فِي نَفْسِهِ كَجَعْلِ الْخَمْرِ ثَمَنًا، فَلَوْ أَسْقَطْنَا الْعِوَضَ لِفَسَادٍ فِيهِ رَجَعَ الْبَيْعُ بِلَا ثَمَنٍ وَهُوَ فَاسِدٌ، وَمَا يَلْزَمُ مِنْ فَرْضِ عَدَمِهِ وُجُودُهُ فَهُوَ مَوْجُودٌ فَلَا يُمْكِنُ انْفِكَاكُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عَنْ مُفْسِدٍ. وَأَمَّا الْبَيْعُ الصَّحِيحُ فَيُمْكِنُ وُجُودُهُ بِلَا شَرْطِ خِيَارٍ.
وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: احْتِمَالُ الْفَسْخِ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي قَائِمٌ وَلَمْ يَمْنَعْ حَقَّ الشُّفْعَةِ. وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنَّ مُشْتَرِيَ ذَلِكَ صَارَ أَخَصَّ بِالْبَيْعِ تَصَرُّفًا حَيْثُ تَعَلَّقَ بِتَصَرُّفِهِ الْفَسْخُ وَالْإِجَازَةُ، وَذَلِكَ يُوجِبُ حَقَّ الشُّفْعَةِ كَالْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ إذَا بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا، وَفِي الْفَاسِدِ الْمُشْتَرِي مَمْنُوعٌ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفَسْخَ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا فِيهِمَا لَكِنْ فِي الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْحَالِ عَلَى وَجْهٍ يُزِيلُ مُوجِبَ الِاحْتِمَالِ بِإِسْقَاطِهِ، وَفِي الْفَاسِدِ لَا يَمْلِكُ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ التَّصَرُّفِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ التَّصَرُّفِ، بَلْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بَيْعًا صَحِيحًا وَلَا يَبْقَى لِبَائِعِهِ حَقُّ النَّقْضِ، وَفِيهِ تَقْرِيرُ الْفَسَادِ أَيْضًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ بَلْ هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَقَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمَحْظُورِ مِنْ الْأَحْكَامِ كَالْوَطْءِ حَالَةَ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ يُحَلِّلُ الْمَرْأَةَ عَلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ، وَتَقْرِيرُ الْفَسَادِ الْمَأْمُورِ بِنَقْضِهِ مِنْ الشَّرْعِ مُمْتَنِعٌ، وَفِي شَرْعِ الشُّفْعَةِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ذَلِكَ وَالْبَيْعُ الْمَحْظُورُ الصَّادِرُ مِنْ الْعَبْدِ لَيْسَ بِمُضَافٍ إلَى الشَّرْعِ.
وَأَرَى أَنَّ قَوْلَهُ وَحَقُّ الْفَسْخِ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ لِدَفْعِ الْفَسَادِ وَفِي إثْبَاتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ تَقْرِيرُهُ لَهُ كَانَ كَافِيًا، وَوُرُودُ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي كَانَ يَنْدَفِعُ بِقَوْلِهِ لِدَفْعِ الْفَسَادِ، فَإِنَّ الْفَسْخَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا بِالشَّرْعِ لَكِنَّهُ لَيْسَ لِدَفْعِ الْفَسَادِ، وَلَكِنَّهُ أَتَى بِالسُّؤَالِ وَالْجَوَابِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الشُّفْعَةَ تُسْتَحَقُّ عَلَى الْمَالِكِ بِمِلْكٍ غَيْرِ مَحْظُورٍ أَوْ عَلَى مَنْ صَارَ أَحَقَّ بِالْبَيْعِ تَصَرُّفًا، وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا فَهُوَ أَحَقُّ بِالتَّصَرُّفِ، وَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا لَيْسَ مِنْهُمَا، فَإِنْ سَقَطَ الْفَسْخُ بِالزِّيَادَةِ فِي الْمَبِيعِ كَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِالْبَيْعِ مِنْ آخَرَ بِالِاتِّفَاقِ وَجَبَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute