(وَيُصَلِّي النَّافِلَةَ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ) لِقَوْلِهِ ﵊ «صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ» وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ خَيْرُ مَوْضُوعٍ وَرُبَّمَا يَشُقُّ عَلَيْهِ الْقِيَامُ فَيَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ كَيْ لَا يَنْقَطِعَ عَنْهُ. وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْقُعُودِ وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَقْعُدَ كَمَا يَقْعُدُ فِي حَالَةِ التَّشَهُّدِ لِأَنَّهُ عُهِدَ مَشْرُوعًا فِي الصَّلَاةِ.
رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ثُمَّ الْفَرْضَ وَيُصَلِّي أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ ثُمَّ الْفَرْضَ بَعْدَهُ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُؤَوَّلَ عَلَى وَجْهٍ مُسْتَقِيمٍ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ الْمُرَادُ بِهِ الزَّجْرُ عَنْ تَكْرَارِ الْجَمَاعَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ وَهُوَ حَسَنٌ، وَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى الشَّافِعِيِّ، وَاسْتُشْكِلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَيَكُونُ بَيَانُ فَرْضِيَّةِ الْقِرَاءَةِ فِي رَكَعَاتِ النَّفْلِ كُلِّهَا بِأَنَّهُ خَبَرُ الْوَاحِدِ فَكَيْفَ يُفِيدُ الْفَرْضِيَّةَ، وَلَئِنْ كَانَ مَشْهُورًا فَهُوَ مُؤَوَّلٌ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلَئِنْ قِيلَ إنَّهُ بَيَانٌ لِمُجْمَلِ الْكِتَابِ فَصَارَ كَخَبَرِ الْمَسْحِ فَلَا يَسْتَقِيمُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ نَصَّ الْقِرَاءَةِ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ، إذْ لَوْ كَانَ مُجْمَلًا كَانَ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فَرْضًا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَالَ بَيَانُ الْفَرْضِيَّةِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْفَرْضِيَّةُ ثَابِتَةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَالْحَدِيثُ لِبَيَانِ أَنَّهَا فَرْضٌ فِي التَّطَوُّعِ رَكْعَةً فَرَكْعَةً.
قَالَ (وَيُصَلِّي النَّافِلَةَ قَاعِدًا) يَجُوزُ لِلْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ أَنْ يُصَلِّيَ النَّافِلَةَ قَاعِدًا (لِقَوْلِهِ ﵊ «صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ» سَمَّاهُ صَلَاةً، وَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا كَانَ بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَصَلَاةُ الْقَائِمِ سِيَّانِ فِي الثَّوَابِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا الْفَرْضَ أَوْ التَّطَوُّعَ لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ بِالْإِجْمَاعِ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي (وَلِأَنَّهُ خَبَرٌ مَوْضُوعٌ) أَيْ مَشْرُوعٌ لَك الْخَيْرُ لَا يَكُونُ خَيْرًا، وَمَرْفُوعٌ عَنْك لِكَوْنِهَا غَيْرَ وَاجِبَةٍ وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا قَدْ يُفْضِي إلَى تَرْكِهِ؛ لِأَنَّ مَا يُفْضِي إلَى تَرْكِ الْخَيْرِ لَا يَكُونُ خَيْرًا، وَالْقِيَامُ قَدْ يُفْضِي إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَشُقُّ عَلَى الْمُصَلِّي فَلَا يُشْتَرَطُ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ بِهِ، أَيْ بِسَبَبِهِ عَنْ الْخَيْرِ.
(وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْقُعُودِ) رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute