وَالتَّهَايُؤُ فِي الْخِدْمَةِ جُوِّزَ ضَرُورَةً، وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْغَلَّةِ لِإِمْكَانِ قِسْمَتِهَا لِكَوْنِهَا عَيْنًا، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ التَّسَامُحُ فِي الْخِدْمَةِ وَالِاسْتِقْصَاءُ فِي الِاسْتِغْلَالِ فَلَا يَتَقَاسَمَانِ (وَلَا يَجُوزُ فِي الدَّابَّتَيْنِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا) وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ فِي الرُّكُوبِ (وَلَوْ كَانَ نَخْلٌ أَوْ شَجَرٌ أَوْ غَنَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَتَهَايَئَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَائِفَةً يَسْتَثْمِرُهَا أَوْ يَرْعَاهَا وَيَشْرَبُ أَلْبَانَهَا لَا يَجُوزُ) لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ فِي الْمَنَافِعِ ضَرُورَةٌ أَنَّهَا لَا تَبْقَى فَيَتَعَذَّرُ قِسْمَتُهَا، وَهَذِهِ أَعْيَانٌ بَاقِيَةٌ تَرِدُ عَلَيْهَا الْقِسْمَةُ عِنْدَ حُصُولِهَا. وَالْحِيلَةُ أَنْ يَبِيعَ حِصَّتَهُ مِنْ الْآخَرِ ثُمَّ يَشْتَرِيَ كُلَّهَا بَعْدَ مُضِيِّ نَوْبَتِهِ أَوْ يَنْتَفِعَ بِاللَّبَنِ بِمِقْدَارٍ مَعْلُومٍ اسْتِقْرَاضًا لِنَصِيبِ صَاحِبِهِ، إذْ قَرْضُ الْمُشَاعِ جَائِزٌ.
يَكُونُ فِي أَحَدِهِمَا كِيَاسَةٌ وَحِذْقٌ وَلَبَاقَةٌ يُحَصِّلُ فِي الشَّهْرِ الْوَاحِدِ مِنْ الْغَلَّةِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْآخَرُ. ثُمَّ التَّهَايُؤُ فِي اسْتِغْلَالِ الْعَبْدِ الْوَاحِدِ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ، فَفِي اسْتِغْلَالِ الْعَبْدَيْنِ أَوْلَى أَنْ لَا يَجُوزَ، وَعُورِضَ بِأَنَّ مَعْنَى الْإِفْرَازِ وَالتَّمْيِيزِ رَاجِعٌ فِي غَلَّةِ الْعَبْدَيْنِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصِلُ إلَى الْغَلَّةِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَصِلُ إلَيْهَا فِيهِ صَاحِبُهُ فَكَانَ كَالْمُهَايَأَةِ فِي الْخِدْمَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّفَاوُتَ يَمْنَعُ مِنْ رُجْحَانِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ، بِخِلَافِ الْخِدْمَةِ؛ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ وَجْهِ الْأَصَحِّ أَنَّ الْمَنَافِعَ فِي الْخِدْمَةِ قَلَّمَا تَتَفَاوَتُ. وَقَوْلُهُ (وَالتَّهَايُؤُ فِي الْخِدْمَةِ جُوِّزَ ضَرُورَةً) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا اعْتِبَارًا بِالتَّهَايُؤِ فِي الْمَنَافِعِ وَبَيَانُ الضَّرُورَةِ مَا نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا أَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَبْقَى فَتَتَعَذَّرُ قِسْمَتُهَا وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْغَلَّةِ لِإِمْكَانِ قِسْمَتِهَا لِكَوْنِهَا أَعْيَانًا فَيَسْتَغِلَّانِهِ عَلَى طَرِيقِ الشَّرِكَةِ، ثُمَّ يَقْسِمَانِ مَا حَصَلَ مِنْ الْغَلَّةِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: عِلَلُ جَوَازِ التَّهَايُؤِ فِي الْمَنَافِعِ بِقَوْلِهِ مِنْ قَبْلُ، لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مِنْ حَيْثُ الْخِدْمَةُ قَلَّمَا تَتَفَاوَتُ، وَعَلَّلَهُ هُنَا بِضَرُورَةِ تَعَذُّرِ الْقِسْمَةِ، وَفِي ذَلِكَ تَوَارُدُ عِلَّتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ بِالشَّخْصِ وَهُوَ بَاطِلٌ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ مِنْ قَبْلُ تَتِمَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ، لِأَنَّ عِلَّةَ الْجَوَازِ تَعَذُّرُ الْقِسْمَةِ وَقِلَّةُ التَّفَاوُتِ جَمِيعًا، لَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ) وَجْهٌ آخَرُ لِإِبْطَالِ الْقِيَاسِ وَلَا يَجُوزُ فِي الدَّابَّتَيْنِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ فِي الرُّكُوبِ وَهُوَ قَوْلُهُ اعْتِبَارًا بِقِسْمَةِ الْأَعْيَانِ إلَخْ وَقَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَ نَخْلٌ أَوْ شَجَرٌ إلَخْ) وَاضِحٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute