إذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَهْدِمَ دَارِهِ (وَإِنْ امْتَنَعَ الَّذِي لَيْسَ مِنْ قِبَلِهِ الْبَذْرُ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى الْعَمَلِ) لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ بِالْوَفَاءِ بِالْعَقْدِ ضَرَرٌ وَالْعَقْدُ لَازِمٌ بِمَنْزِلَةِ الْإِجَارَةِ، إلَّا إذَا كَانَ عُذْرٌ يَفْسَخُ بِهِ الْإِجَارَةَ فَيَفْسَخُ بِهِ الْمُزَارَعَةَ. قَالَ (وَلَوْ امْتَنَعَ رَبُّ الْأَرْضِ وَالْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ وَقَدْ كَرَبَ الْمُزَارِعُ الْأَرْضَ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي عَمَلُ الْكِرَابِ) قِيلَ هَذَا فِي الْحُكْمِ، فَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى يَلْزَمُهُ اسْتِرْضَاءُ الْعَامِلِ لِأَنَّهُ غَرَّهُ فِي ذَلِكَ.
قَالَ (وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَطَلَتْ الْمُزَارَعَةُ) اعْتِبَارًا بِالْإِجَارَةِ، وَقَدْ مَرَّ الْوَجْهُ فِي الْإِجَارَاتِ، فَلَوْ كَانَ دَفَعَهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فَلَمَّا نَبَتَ الزَّرْعُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَلَمْ يَسْتَحْصِدْ الزَّرْعَ حَتَّى مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ تَرَكَ الْأَرْضَ فِي يَدِ الْمُزَارِعِ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعَ وَيَقْسِمَ عَلَى الشَّرْطِ، وَتَنْتَقِضُ الْمُزَارَعَةُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ السَّنَتَيْنِ لِأَنَّ فِي إبْقَاءِ الْعَقْدِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مُرَاعَاةً لِلْحَقَّيْنِ،
إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ فَإِنَّهُ لَازِمٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا فَسْخُهُ إلَّا بِعُذْرٍ، وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَازِمٌ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَيْسَ الْبَذْرُ مِنْ جِهَتِهِ وَغَيْرُ لَازِمٍ مِنْ جِهَةِ مَنْ هُوَ مِنْ جِهَتِهِ، فَلَوْ امْتَنَعَ صَاحِبُ الْبَذْرِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْمُضِيُّ عَلَى الْعَقْدِ إلَّا بِضَرَرٍ يَلْزَمُهُ وَهُوَ اسْتِهْلَاكُ الْبَذْرِ فِي الْحَالِ فَصَارَ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَهْدِمَ دَارِهِ (وَإِنْ امْتَنَعَ غَيْرُهُ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى الْعَمَلِ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ بِالْوَفَاءِ بِالْعَقْدِ ضَرَرٌ) سِوَى مَا الْتَزَمَهُ بِالْعَقْدِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ إقَامَةَ الْعَمَلِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهَا (وَالْعَقْدُ لَازِمٌ) مِنْ جِهَتِهِ (بِمَنْزِلَةِ الْإِجَارَةِ إلَّا إذَا كَانَ عُذْرٌ يَفْسَخُ بِهِ الْإِجَارَةَ) كَالْمَرَضِ الْمَانِعِ لِلْعَامِلِ عَنْ الْعَمَلِ وَالدَّيْنِ الَّذِي لَا وَفَاءَ بِهِ عِنْدَهُ إلَّا بِبَيْعِ الْأَرْضِ (فَتُفْسَخُ بِهِ الْمُزَارَعَةُ، وَلَوْ امْتَنَعَ رَبُّ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ مِنْ قِبَلِهِ وَقَدْ كَرَبَ الْمُزَارِعُ الْأَرْضَ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي عَمَلِ الْكِرَابِ) لِأَنَّ الْمَأْتِيَّ بِهِ مُجَرَّدُ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ لَا يَتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ، وَالْعَقْدُ قَوَّمَهُ بِجُزْءٍ مِنْ الْخَارِجِ وَقَدْ فَاتَ (قِيلَ هَذَا) الْجَوَابُ (فِي الْحُكْمِ، فَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَلْزَمُهُ اسْتِرْضَاءُ الْعَامِلِ لِأَنَّهُ غَرَّهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ).
(وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَطَلَتْ الْمُزَارَعَةُ) قِيَاسًا عَلَى الْإِجَارَةِ لِكَوْنِهَا عَقْدًا فِيهِ الْإِجَارَةُ (وَقَدْ مَرَّ الْوَجْهُ فِي الْإِجَارَاتِ) وَهُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ الْعَقْدُ صَارَ الْمَنْفَعَةُ الْمَمْلُوكَةُ أَوْ الْأُجْرَةُ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ مُسْتَحَقًّا بِالْعَقْدِ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ بِالْمَوْتِ إلَى الْوَارِثِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَبْقَى الْعَقْدُ إلَى أَنْ يُسْتَحْصَدَ الزَّرْعُ نَظَرًا لِلْمُزَارِعِ، فَإِنَّهُ فِي الزَّرْعِ غَيْرُ مُتَعَدٍّ، فَلَوْ لَمْ يَبْقَ الْعَقْدُ وَانْتَقَلَ الْأَرْضُ إلَى وَرَثَةِ رَبِّهَا لَقَلَعُوا الزَّرْعَ وَتَضَرَّرَ بِهِ الْمُزَارِعُ، وَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُ الضَّرَرِ عَلَى غَيْرِ الْمُتَعَدِّي، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ كَانَ دَفْعُهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ إلَخْ) وَاعْلَمْ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَعْدَ الزَّرْعِ، لِأَنَّ الَّذِي يَكُونُ قَبْلَهُ مَذْكُورٌ فِيمَا يَلِيهِ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا نَبَتَ الزَّرْعُ أَوْ لَمْ يَنْبُتْ، وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ جَوَابَ النَّابِتِ فِي قَوْلِهِ فِي وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ (فَلَمَّا نَبَتَ الزَّرْعُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى) وَلَمْ يَذْكُرْ جَوَابَ مَا لَمْ يَنْبُتْ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَلَعَلَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute