لِأَنَّ بِكُلِّ ذَلِكَ يُسْتَدْفَعُ الضَّرَرُ (وَلَوْ مَاتَ الْمُزَارِعُ بَعْدَ نَبَاتِ الزَّرْعِ فَقَالَتْ وَرَثَتُهُ نَحْنُ نَعْمَلُ إلَى أَنْ يُسْتَحْصَدَ الزَّرْعُ وَأَبَى رَبُّ الْأَرْضِ فَلَهُمْ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ (وَلَا أَجْرَ لَهُمْ بِمَا عَمِلُوا) لِأَنَّا أَبْقَيْنَا الْعَقْدَ نَظَرًا لَهُمْ، فَإِنْ أَرَادُوا قَلْعَ الزَّرْعِ لَمْ يُجْبَرُوا عَلَى الْعَمَلِ لِمَا بَيَّنَّا، وَالْمَالِكُ عَلَى الْخِيَارَاتِ الثَّلَاثِ لِمَا بَيَّنَّا. قَالَ (وَكَذَلِكَ أُجْرَةُ الْحَصَادِ وَالرِّفَاعِ وَالدِّيَاسِ وَالتَّذْرِيَةِ عَلَيْهِمَا بِالْحِصَصِ. فَإِنْ شَرَطَاهُ فِي الْمُزَارَعَةِ عَلَى الْعَامِلِ فَسَدَتْ) وَهَذَا الْحُكْمُ لَيْسَ بِمُخْتَصٍّ بِمَا ذَكَرَ مِنْ الصُّورَةِ وَهُوَ انْقِضَاءُ الْمُدَّةِ وَالزَّرْعُ لَمْ يُدْرَكْ بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْمُزَارَعَاتِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَقْدَ يَتَنَاهَى بِتَنَاهِي الزَّرْعِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ فَيَبْقَى مَالٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَلَا عَقْدَ فَيَجِبُ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِمَا. وَإِذَا شَرَطَ فِي الْعَقْدِ ذَلِكَ وَلَا يَقْتَضِيهِ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِهِمَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ كَشَرْطِ الْحَمْلِ أَوْ الضِّمْنِ عَلَى الْعَامِلِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ إذَا شَرَطَ ذَلِكَ عَلَى الْعَامِلِ لِلتَّعَامُلِ اعْتِبَارًا بِالِاسْتِصْنَاعِ وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ بَلْخٍ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي دِيَارِنَا. فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ كَالسَّقْيِ وَالْحِفْظِ فَهُوَ عَلَى الْعَامِلِ، وَمَا كَانَ مِنْهُ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ عَلَيْهِمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَأَشْبَاهِهِمَا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَمَا كَانَ
وَقَوْلُهُ (وَلَوْ مَاتَ الْمُزَارِعُ) ظَاهِرٌ، وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ إبْقَاءَ الْعَقْدِ بَعْدَ وُجُودِ الْمَنْهِيِّ إلَخْ (قَوْلُهُ وَالْمَالِكُ عَلَى الْخِيَارَاتِ الثَّلَاثِ) يَعْنِي الْمَذْكُورَةَ إلَّا أَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَوْ رَجَعَ بِالنَّفَقَةِ رَجَعَ بِكُلِّهَا إذْ الْعَمَلُ عَلَى الْعَامِلِ مُسْتَحَقٌّ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْمُزَارِعَ لَمَّا امْتَنَعَ عَنْ الْعَمَلِ إلَخْ. قَالَ (وَكَذَا أُجْرَةُ الْحَصَادِ وَالرِّفَاعِ) قَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. وَالرِّفَاعُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ: هُوَ أَنْ يَرْفَعَ الزَّرْعَ إلَى الْبَيْدَرِ. وَالتَّذْرِيَةُ: تَمْيِيزُ الْحَبِّ مِنْ التِّبْنِ بِالرِّيحِ.
وَلَمَّا كَانَ الْقُدُورِيُّ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَقِيبَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الزَّرْعِ وَالزَّرْعُ لَمْ يُدْرِكْ رُبَّمَا يُوهِمُ اخْتِصَاصَهَا بِذَلِكَ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا الْحُكْمُ لَيْسَ يَخْتَصُّ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الصُّورَةِ وَهُوَ انْقِضَاءُ الْمُدَّةِ وَالزَّرْعُ لَمْ يُدْرِكْ بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْمُزَارَعَاتِ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ وَالْأَصْلُ أَنَّ اشْتِرَاطَ مَا لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الْمُزَارَعَةِ عَلَى أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يُفْسِدُهَا لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِهِمَا وَمِثْلُهُ يُفْسِدُ الْإِجَارَةَ فَكَذَا الْمُزَارَعَةُ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْإِجَارَةِ وَالْفَاصِلُ بَيْنَ مَا هُوَ مِنْ أَعْمَالِهَا وَغَيْرِهِ أَنَّ كُلَّ مَا يَنْبُتُ وَيَنْمِي وَيَزِيدُ فِي الْخَارِجِ فَهُوَ مِنْ أَعْمَالِهَا وَمَا لَا فَلَا وَعَلَى هَذَا فَالْحَصَادُ وَالدِّيَاسُ وَالتَّذْرِيَةُ وَرَفْعُهُ إلَى الْبَيْدَرِ إذَا شُرِطَ شَيْءٌ مِنْهَا عَلَى أَحَدِهِمَا فَسَدَتْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَرَوَى أَصْحَابُ الْأَمَالِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا إذَا شُرِطَتْ عَلَى الْعَامِلِ جَازَتْ لِلتَّعَامُلِ اعْتِبَارًا لِلِاسْتِصْنَاعِ.
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي دِيَارِنَا، وَالْمُصَنِّفُ جَعَلَ الْأَعْمَالَ ثَلَاثَةً: مَا كَانَ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ كَالسَّقْيِ وَالْحِفْظِ وَهُوَ مِنْ أَعْمَالِهَا، وَمَا كَانَ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَنَحْوِهِمَا، وَمَا كَانَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ كَالْحَمْلِ إلَى الْبَيْتِ وَالطَّحْنِ وَأَشْبَاهِهِمَا وَهُمَا لَيْسَا مِنْ أَعْمَالِهَا فَيَكُونَانِ عَلَيْهِمَا، لَكِنْ فِيمَا هُوَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ وَفِيمَا هُوَ بَعْدَهَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً لِيَتَمَيَّزَ مِلْكُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute