قَالَ (الذَّكَاةُ شَرْطُ حِلِّ الذَّبِيحَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ وَلِأَنَّ بِهَا يَتَمَيَّزُ الدَّمُ النَّجِسُ مِنْ اللَّحْمُ الطَّاهِرُ. وَكَمَا يَثْبُتُ بِهِ الْحِلُّ يَثْبُتُ بِهِ الطَّهَارَةُ فِي الْمَأْكُولِ وَغَيْرُهُ، فَإِنَّهَا تُنْبِئُ عَنْهَا. وَمِنْهَا قَوْلُهُ ﵊ «ذَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا» وَهِيَ اخْتِيَارِيَّةٌ كَالْجُرْحِ فِيمَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ، وَاضْطِرَارِيَّةٌ وَهِيَ الْجُرْحُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مِنْ الْبَدَنُ. وَالثَّانِي كَالْبَدَلِ عَنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْأَوَّلِ.
وَهَذَا آيَةُ الْبَدَلِيَّةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَعْمَلُ فِي إخْرَاجِ الدَّمِ وَالثَّانِيَ أَقْصَرُ فِيهِ، فَاكْتَفَى بِهِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْأَوَّلِ، إذْ التَّكْلِيفُ بِحَسْبِ الْوُسْعِ. وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ الذَّابِحُ صَاحِبَ مِلَّةِ التَّوْحِيدِ إمَّا اعْتِقَادًا كَالْمُسْلِمِ أَوْ دَعْوَى كَالْكِتَابِيِّ، وَأَنْ يَكُونَ حَلَالًا
بِالْمَدِّ لِنِهَايَةِ الشَّبَابِ، وَذَكَا النَّارَ بِالْقَصْرِ لِتَمَامِ اشْتِعَالِهَا، وَمَعْنَى قَوْلِهِ (الذَّكَاةُ شَرْطُ حِلِّ الذَّبِيحَةِ) الذَّبْحُ شَرْطُ حِلِّ أَكْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الْحَيَوَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ بَعْدَ قَوْلِهِ ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ﴾ إلَخْ. اسْتَثْنَى مِنْ الْحُرْمَةِ الْمُذَكَّى فَيَكُونُ حَلَالًا، وَالْمُتَرَتِّبُ عَلَى الْمُشْتَقِّ مَعْلُومٌ لِلصِّفَةِ الْمُشْتَقِّ مِنْهَا، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْحِلُّ ثَابِتًا بِالشَّرْعِ جُعِلَتْ شَرْطًا، وَلِأَنَّ غَيْرَ الْمُذَكَّى مَيْتَةٌ وَهِيَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا بِالْحُرْمَةِ، وَلِأَنَّ الدَّمَ حَرَامٌ لِنَجَاسَتِهِ لِمَا تَلَوْنَا، وَهُوَ غَيْرُ مُتَمَيِّزٍ مِنْ اللَّحْمِ، وَإِنَّمَا يَتَمَيَّزُ بِالذَّكَاةِ فَلَا بُدَّ مِنْهَا لِيَتَمَيَّزَ النَّجِسُ مِنْ الطَّاهِرِ، وَلَا يَلْزَمُ الْجَرَادُ وَالسَّمَكُ لِأَنَّ حِلَّهُمَا بِلَا ذَبْحٍ ثَبَتَ بِالنَّصِّ. وَكَمَا يَثْبُتُ بِالذَّبْحِ الْحِلُّ فِي الْمَأْكُولِ يَثْبُتُ بِهِ الطَّهَارَةُ فِي غَيْرِهِ، لِأَنَّ الذَّكَاةَ تُنْبِئُ عَنْ الطَّهَارَةِ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ ﷺ «ذَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا» يَعْنِي أَنَّهَا إذَا يَبِسَتْ مِنْ رُطُوبَةِ النَّجَاسَةِ طَهُرَتْ وَطَابَتْ كَمَا أَنَّ الذَّبِيحَةَ بِالذَّكَاةِ تَطْهُرُ وَتَطِيبُ (وَهِيَ) يَعْنِي الذَّكَاةَ (اخْتِيَارِيَّةٌ كَالْجُرْحِ فِيمَا بَيْنَ اللَّبَّةِ) وَهِيَ الصَّدْرُ وَاللَّحْيَانِ، وَاضْطِرَارِيَّةٌ وَهُوَ الْجُرْحُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مِنْ الْبَدَنِ. قَوْلُهُ (وَالثَّانِي كَالْبَدَلِ عَنْ الْأَوَّلِ) وَاضِحٌ، وَإِنَّمَا قَالَ كَالْبَدَلِ لِأَنَّ الْأَبْدَالَ تُعْرَفُ بِالنَّصِّ وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ، وَقَدْ وُجِدَتْ أَمَارَةُ الْبَدَلِيَّةِ فَقَالَ كَالْبَدَلِ (وَمِنْ شَرْطِهِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute