وَلِأَنَّ النَّوَافِلَ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِوَقْتٍ فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ النُّزُولَ وَالِاسْتِقْبَالَ تَنْقَطِعُ عَنْهُ النَّافِلَةُ أَوْ يَنْقَطِعُ هُوَ عَنْ الْقَافِلَةِ، أَمَّا الْفَرَائِضُ فَمُخْتَصَّةٌ بِوَقْتٍ، وَالسُّنَنُ الرَّوَاتِبُ نَوَافِلُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّهُ يَنْزِلُ لِسُنَّةِ الْفَجْرِ لِأَنَّهَا آكَدُ مِنْ سَائِرِهَا، وَالتَّقْيِيدُ بِخَارِجِ الْمِصْرِ يَنْفِي اشْتِرَاطَ السَّفَرِ وَالْجَوَازِ فِي الْمِصْرِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ ﵀ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْمِصْرِ
وَإِنْ كَانَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى الْجَوَازِ لِلضَّرُورَةِ، وَمَا فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ.
وَقَوْلُهُ: (أَمَّا الْفَرَائِضُ فَمُخْتَصَّةٌ بِوَقْتٍ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْفَرِيضَةَ لَا تَجُوزُ عَلَى الدَّابَّةِ فَلَا يُصَلِّي الْمُسَافِرُ الْمَكْتُوبَةَ عَلَى الدَّابَّةِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ كَخَوْفِ اللِّصِّ وَالسَّبُعِ وَطِينِ الْمَكَانِ وَكَوْنِ الدَّابَّةِ جَمُوحًا وَكَوْنِ الْمُسَافِرِ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَجِدُ مَنْ يُرْكِبُهُ.
وَقَوْلُهُ: (يَنْزِلُ لِسُنَّةِ الْفَجْرِ) قَالَ ابْنُ شُجَاعٍ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا لِبَيَانِ الْأَوْلَى. يَعْنِي أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَنْزِلَ لِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ. وَقَوْلُهُ: (يَنْفِي اشْتِرَاطَ السَّفَرِ) إشَارَةٌ إلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ جَوَازَ التَّطَوُّعِ عَلَى الدَّابَّةِ لِلْمُسَافِرِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ بِالْإِيمَاءِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْحَضَرِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُسَافِرَ وَغَيْرَهُ سَوَاءٌ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ خَارِجَ الْمِصْرِ. وَاخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِ الْبُعْدِ عَنْ الْمِصْرِ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ مِقْدَارُ الْفَرْسَخَيْنِ، وَقَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِالْمِيلِ، وَمَنَعَ مِنْ الْجَوَازِ فِي أَقَلَّ مِنْهُ.
وَقَوْلُهُ: (وَالْجَوَازَ) بِالنَّصْبِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ اشْتِرَاطَ. فَإِنْ قِيلَ: التَّخْصِيصُ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى النَّفْيِ قُلْنَا: ذَلِكَ فِي النُّصُوصِ دُونَ الرِّوَايَاتِ، وَذَكَرَ فِي الْهَارُونِيَّاتِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ التَّطَوُّعُ عَلَى الدَّابَّةِ فِي الْمِصْرِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ خَارِجَ الْمِصْرِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَالْمِصْرُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ السَّيْرَ عَلَى الدَّابَّةِ فِيهِ لَا يَكُونُ مَدِيدَ إعَادَةٍ فَرَجَعْنَا فِيهِ إلَى الْقِيَاسِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا بَأْسَ بِهِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَكِبَ الْحِمَارَ فِي الْمَدِينَةِ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَيْهِ»، وَحُكِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ احْتَجَّ بِهِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ قِيلَ إنَّمَا لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ رُجُوعًا مِنْهُ إلَى الْحَدِيثِ، وَقِيلَ بَلْ هَذَا حَدِيثٌ شَاذٌّ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فَلَا يَكُونُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute