للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ خَالِدٍ ، وَالتَّرْجِيحُ لِلْمُحَرِّمِ. ثُمَّ قِيلَ: الْكَرَاهَةُ عِنْدَهُ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ. وَقِيلَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَأَمَّا لَبَنُهُ فَقَدْ قِيلَ: لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شُرْبِهِ تَقْلِيلُ آلَةِ الْجِهَادِ.

قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْأَرْنَبِ) لِأَنَّ «النَّبِيَّ أَكَلَ مِنْهُ حِينَ أُهْدِيَ إلَيْهِ مَشْوِيًّا وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالْأَكْلِ مِنْهُ»، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ السِّبَاعِ وَلَا مِنْ أَكَلَةِ الْجِيَفِ فَأَشْبَهَ الظَّبْيَ

قَالَ (وَإِذَا ذُبِحَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَهُرَ جِلْدُهُ وَلَحْمُهُ إلَّا الْآدَمِيَّ وَالْخِنْزِيرَ) فَإِنَّ الذَّكَاةَ لَا تَعْمَلُ فِيهِمَا، أَمَّا الْآدَمِيُّ فَلِحُرْمَتِهِ وَكَرَامَتِهِ وَالْخِنْزِيرُ لِنَجَاسَتِهِ كَمَا فِي الدِّبَاغِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الذَّكَاةُ لَا تُؤَثِّرُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي إبَاحَةِ اللَّحْمِ أَصْلًا. وَفِي طَهَارَتِهِ وَطَهَارَةِ الْجِلْدِ تَبَعًا وَلَا تَبَعَ بِدُونِ الْأَصْلِ وَصَارَ كَذَبْحِ الْمَجُوسِيِّ. وَلَنَا أَنَّ الذَّكَاةَ مُؤَثِّرَةٌ فِي إزَالَةِ الرُّطُوبَاتِ وَالدِّمَاءِ السَّيَّالَةِ وَهِيَ النَّجِسَةُ دُونَ ذَاتِ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ، فَإِذَا زَالَتْ طَهُرَ كَمَا فِي الدِّبَاغِ. وَهَذَا الْحُكْمُ مَقْصُودٌ فِي الْجِلْدِ كَالتَّنَاوُلِ فِي اللَّحْمِ وَفِعْلُ الْمَجُوسِيِّ إمَاتَةٌ فِي الشَّرْعِ فَلَا بُدَّ مِنْ الدِّبَاغِ، وَكَمَا يَطْهُرُ لَحْمُهُ يَطْهُرُ شَحْمُهُ، حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ لَا يُفْسِدُهُ خِلَافًا لَهُ. وَهَلْ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ؟ قِيلَ: لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالْأَكْلِ. وَقِيلَ يَجُوزُ كَالزَّيْتِ إذَا خَالَطَهُ وَدَكُ الْمَيْتَةِ. وَالزَّيْتُ غَالِبٌ لَا يُؤْكَلُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ

قَالَ (وَلَا يُؤْكَلُ مِنْ حَيَوَانِ الْمَاءِ إلَّا السَّمَكَ) وَقَالَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِإِطْلَاقِ جَمِيعِ مَا فِي الْبَحْرِ. وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ الْخِنْزِيرَ وَالْكَلْبَ وَالْإِنْسَانَ.

وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ أَطْلَقَ ذَاكَ كُلَّهُ، وَالْخِلَافُ فِي الْأَكْلِ وَالْبَيْعِ وَاحِدٌ لَهُمْ قَوْله تَعَالَى

عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحِلَّ الْحَمْلُ عَلَيْهِ وَهُوَ فَاسِدٌ، فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي أَنَّ تَرْكَ أَعْلَى النِّعَمِ وَالذَّهَابَ إلَى مَا دُونَهُ دَلِيلُ حُرْمَةِ الْأَعْلَى وَالْحَمْلُ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَالْأَوَّلُ) يَعْنِي كَوْنَ الْكَرَاهَةِ لِلتَّحْرِيمِ (أَصَحُّ) لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ سَأَلَ أَبَا حَنِيفَةَ : إذَا قُلْت فِي شَيْءٍ أَكْرَهُهُ فَمَا رَأْيُك فِيهِ؟ قَالَ التَّحْرِيمُ وَمَبْنَى اخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى اخْتِلَافِ اللَّفْظِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ: رَخَّصَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي لَحْمِ الْخَيْلِ، فَأَمَّا أَنَا فَلَا يُعْجِبُنِي أَكْلُهُ، وَهَذَا يُلَوِّحُ إلَى التَّنْزِيهِ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ أَكْرَهُهُ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ عَلَى مَا رَوَيْنَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ

(قَوْلُهُ وَلَا يُؤْكَلُ مِنْ حَيَوَانِ الْمَاءِ إلَّا السَّمَكُ) وَاضِحٌ وَالطَّافِي اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ طَفَا الشَّيْءُ فَوْقَ الْمَاءِ يَطْفُو إذَا عَلَا، وَالْمُرَادُ مِنْ السَّمَكِ الطَّافِي الَّذِي يَمُوتُ فِي الْمَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>